جميع الحكومات الإسرائيلية عملت من أجل تهويد الضفة الغربية منذ احتلالها في سنة 1967، عقب حرب الأيام الستة. وتضاعفت وتيرة الاستيطان بالدعم السياسي والمالي والعسكري الإسرائيلي شيئًا فشيئًا، ولكنها تسارعت بشكل ملحوظ وأخذت تسابق الزمن بعد توقيع اتفاقية أسلو سنة 1993، وذلك لفرض أمر واقع جديد على الأرض، بالرغم من اعتبار الدول والمنظمات الأممية والإنسانية الدولية أن الاستيطان مخالف للقانون الدولي. وعمدت الحكومات الإسرائيلية إلى فرض سياسات ممنهجة للاستيطان في الضفة الغربية. ومن أهمها زرع ثلاث تكتلات كبيرة في الضفة الغربية موزعة على الشمال والوسط والجنوب. ويتلو ذلك محاصرة المدن الفلسطينية بسلسلة مستوطنات لضمان عدم تمددها وفق التمدد الطبيعي لتلك المدن، وإضافةً إلى ذلك أن الاستيطان يعتبر ضمانة للاستيلاء على أراضٍ واسعة من الضفة الغربية، تلك التي تخلو من التجمعات الكبيرة من المدن والقرى الفلسطينية، إما التجمعات البدوية فإنها تعمل من أجل الدفع بها للتوطن باتجاه التجمعات الكبيرة. ومن أجل تعزيز الاستيطان، وتعزيز الحسم في الضم عملت الحكومة الإسرائيلية الحالية وهي الأكثر يمينية في تاريخ دولة إسرائيل، وقد تعددت أنواع الاستيطان والعصابات التي تعمل من أجل تنفيذه.

وفي خطوة تعتبر ذات مغزى نوعي في مجال الاستيطان، فقد سلمت وزيرة الاستيطان أوريت ستروك في الحكومة الإسرائيلية تسعة عشر سيارة ذات الدفع الرباعي، وهي سيارات ذات اختصاص للملاحقة والهجوم البربري يستعملها المستوطنون لتصفية الوجود الفلسطيني، في منطقة المسافر والتي تمتد من جنوب الخليل وتصل إلى منطقة الاغوار، على طول الحدود الأردنية الفلسطينية. وهي من المناطق المستهدفة من قبل إسرائيل لضمها إليها. ويأتي هذه الخطوة بعد أن تم تزويد المستوطنين، والذين يعملون على رفع وتيرة العنف في الضفة الغربية بحوالي مئة وخمسين ألف قطعة سلاح أتوماتيكي مما يُشكل تهديدًا لأمن وسلامة الشعب الفلسطيني.

ومن جهة أخرى أقدمت حكومة الاحتلال على رفع موازنة الاستيطان %360 عن العام الماضي، مما يفسر توجه الحكومة الإسرائيلية، لتعزيز العمل الاستيطاني، وحسم وجود الفلسطينيين في مناطق "ج". التوسع الاستيطاني هذا يهدف إلى فرض أمر واقع على الجانب الفلسطيني، في إجبار الفلسطينيين على النزوح واحلال المستوطنين مكانهم، وهذا يعني إجبار الفلسطينيين على ترك ممتلكاتهم لصالح المستوطنين بهدف ضم هذه الأماكن إلى دولة إسرائيل، وتتم كل هذه العمليات من خلال ما يسمى الاستيطان الرعوي الذي جل اهتمامه مطاردة الوجود الفلسطيني ومحاصرته في جزر معزولة، تصبح حياتهم صعبة تجبرهم تلك الظروف على النزوح القسري من أراضيهم.

السياسات الإسرائيلية في تعزيز العمل الاستيطاني تهدد الوجود الفلسطيني وتجردهم من ممتلكاتهم وتمنعهم من ممارسة حياتهم الطبيعية في أراضيهم. الشأن الاستيطاني هو من أخطر ما يواجهه الفلسطينيون، أمام المشاريع الإسرائيلية في ضم الضفة الغربية وتهويدها، وهو جزء لا يتجزء من الحرب التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية.

كل هذا يستدعي تعزيز الصمود الفلسطيني، أمام التهديد الإسرائيلي في الاستيلاء على الأرض والإنسان، وأسرلة الضفة الغربية والوجود الفلسطيني، والتصدي لمشروع الترانسفير الإسرائيلي للشعب الفلسطيني.