بداية لا بد وأن نؤكد على حقائق ومعايير راسخة هامة تنطبق على جميع دول العالم لتقييم والحكم على تصنيف أنظمة الحكم وعلى رأسها:

- أولاً: هل هناك تداول سلمي للسلطة عبر انتخابات دورية نزيهة تمكن الشعب من اختيار حاكمه بحرية ودون خوف؟.

- ثانيًا: هل هناك فصل بين السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية؟.

- ثالثًا: هل هناك مواطنة بمفهومها الشامل؟.

- رابعًا: هل هناك تنمية إقتصادية وتوزيع عادل للثروات؟.

- خامسًا: هل هناك محاربة للفساد بأشكاله المالية والإدارية؟.

- سادسًا: هل هناك إعمال لمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وللعهود والمواثيق والإتفاقيات الدولية ودعم لتمكين الشعوب من الحرية والاستقلال وتقرير المصير وتصفية للاستعمار إعمالاً بمبادئ وميثاق وأهداف الأمم المتحدة دون إزدواجية أو إنتقائية؟.

ما تقدم من مرتكزات إذا ما توفرت يمكن لنا أن نقول أن تلك الدولة دولة ديمقراطية وتتمتع بنظام حكم رشيد وتحترم إلتزاماتها أمام شعوبها وأمام المجتمع الدولي، أما في حال غيابها أو غياب أي منها ينطبق عليها الدعوة لإجراء إصلاحات جوهرية تصب في خدمة وحقوق مواطنيها وتعزيزًا لسيادتها وإستقلالها دون هيمنة أو تبعية لقوى خارجية.

- يبقى السؤال كم دولة على امتداد العالم تنطبق عليها المعايير أعلاه بما فيها أميركا وأوروبا؟.

أعود إلى العنوان الرئيس بالتساؤل عن أسباب وعوامل تصاعد دعوات إصلاح السلطة الفلسطينية وبرؤية سلطة متجددة مع استمرار الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي لأراضي الدولة الفلسطينية المحتلة ورفض الكيان الإسرائيلي المصطنع بدعم أميركي تنفيذ أي من القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية الداعية لإنهاء احتلالها لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليًا إضافةً إلى تنصلها من تنفيذ إلتزاماتها المترتبة عليها بموجب إتفاق المرحلة الانتقالية "إتفاق أوسلو" المبرم مع منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في أيلول 1993 الذي ينص على إنهاء تطبيق إتفاق اوسلو خلال فترة زمنية اقصاها خمس سنوات كان يفترض أن تنتهي بأيار 1999 بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
ولماذا تأتي هذه الدعوات بهذا التوقيت من أميركا ومحورها وأدواتها خلال السنوات الأخيرة وخاصة ما بعد السابع من أكتوبر 2023 في خضم حرب الإبادة والتطهير العرقي التي يشنها المستعمر الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وعموم الأرض الفلسطينية المحتلة وفي ظل العجز العربي والدولي عن إلزام أميركا وأداتها إسرائيل بوقف جرائمها الوحشية التي استهدفت ولم تزل تستهدف الشعب الفلسطيني في مؤامرة لإقتلاعه وتهجيره قسرًا من وطنه التاريخي في محاولة لإعادة سيناريو عام 1948 و1967 بالطلب من  السلطة الفلسطينية "كونها باعتبارهم الحلقة الأضعف" إجراء إصلاحات والدعوة لسلطة متجددة دون تحديد ما هي الإصلاحات المطلوبة وما مفهوم سلطة متجددة وما هي مهامها الجديدة:

▪︎ هل لكسب ود ورضى أميركا وأداتها الكيان الاستعماري الإرهابي الإسرائيلي؟

▪︎ أم تمهيدًا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وهذا خيار غير وارد في ظل الإنحياز الأميركي؟.

▪︎ أم لاستغلال هذه الدعوات التي تحمل في ظاهرها الحق بينما في باطنها تحمل الباطل لمنح سلطات الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي الذرائع لرفض إنهاء احتلالها وللإمعان بفرض سياسة الأمر الواقع بحكم القوة العسكرية على أراضي دولة فلسطين المحتلة من تغييرات جغرافية وديموغرافية وتشريعية وارتكاب كافة أشكال الجرائم والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني من قتل خارج القانون واعتقالات تعسفية ومصادرة أراضٍ وتدمير المنازل والمزارع وإنتهاك للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس والخليل وبيت لحم وغزة وغيرها، وتدمير لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين وتهجير قسري للشعب الفلسطيني سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية.

▪︎ أم ذريعة لتقويض حق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وما قرار الكنيست برفض إقامة دولة فلسطينية وبدعوة قادته بقصف غزة بالسلاح النووي إلا دليل على ذلك.

- ما بين الإصلاح المطلوب أميركيًا والمطلوب فلسطينيًا:

الإصلاح والتقدم والتطوير مطلب مشروع للشعوب وليس وسيلة لتحقيق أهداف دولة استعمارية متغطرسة تتمتع بالقوة تسعى لفرض سطوتها عبر وكلائها.
الإصلاح المنشود ذلك الإصلاح الذي يفضي إلى بناء ونهضة وازدهار وتعزيز منعة وقوة لجميع الدول كبيرها وصغيرها.
أما في الحالة الفلسطينية هناك إختلاف وتناقض  جوهري لمفهوم الإصلاح بين الإرادتين الإسروأميركية والفلسطينية.

الهدف الإسروأميركي: يتمثل بفرض قيادة تقبل بدور تنفيذي للمشروع الاستعماري الاحلالي بالتخلي عن أهداف النضال الوطني الفلسطيني بالتحرر من نير الاستعمار الاحلالي الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي هُجروا منها عنوة عام 1948 والقبول بتحويل القضية الفلسطينية من بعدها النضالي الوطني لشعب مناضل من أجل الحرية والاستقلال إلى بعد إنساني معيشي لجالية سكانية محرومة ومجردة  من حقوقها الأساس السياسية والتاريخية والوطنية والحقوقية على أرض وطنها المكفولة دوليًا وفي مقدمتها حق تقرير المصير وسيادته على أرضه وثرواته وتركيع إرادة الشعب الفلسطيني الوطنية النضالية.

- الهدف الوطني الفلسطيني:

أما الهدف النضالي الوطني للشعب الفلسطيني يتناقض كليًا مع الأهداف الإسرائيلية الأميركية حيث يتمثل:

- أولاً: المضي بنضاله بكافة الوسائل المكفولة دوليًا حتى نيل حقوقه الأساس أسوة بباقي شعوب العالم بالحرية والاستقلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

- ثانيًا: رفض كافة المخططات الإسروأميركية الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية عبر تقويض حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وإنكار حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم التي هُجروا منها عنوة عام 1948 تنفيذًا للقرارات الدولية.

- ثالثًا: التصدي لمؤامرة التهجير القسري للشعب الفلسطيني وما حرب الإبادة والتطهير العرقي والحصار الشامل التي يمعن الكيان الإسرائيلي بدعم أميركي بإرتكابها بقطاع غزة وبالضفة الغربية من نهر الأردن إلا الترجمة العملية التنفيذية لمخطط إقتلاع شعب من وطنه التاريخي وما صمود الشعب الفلسطيني على أرضه ورفضه كل المغريات لمغادرة الوطن إلا تأكيد عملي على رفض مؤامرات التهجير القسري.

- رابعًا: التأكيد على أن منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وبالتالي رفض كل آليات الضغوط لفرض قيادة جديدة تتنازل عن الثوابت الفلسطينية أو تعمل وكيلاً عن سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

- خامسًا: ممارسة حقه بملاحقة الكيان الإسرائيلي الإرهابي المصطنع لدى المحاكم الدولية وبالدول التي يسمح قوانينها بالولاية القضائية عالميًا على طريق إنهاء الاحتلال غير القانوني وغير الشرعي وفقًا لقرار الجمعية العامة.

- سادسًا: التأكيد على القرار الفلسطيني المستقل الذي تجسده عمليًا منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة عمودها الفقري حركة "فتح" والذي لا يعني إغفال الدور القومي والإسلامي وللدول الصديقة بأهمية التنسيق البيني والتوافق على الاستراتيجيات بما يدعم أهداف الشعب الفلسطيني النضالية.

- سابعًا: رفض كل مشاريع تقسيم أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليا بموجب قرار الجمعية العامة رقم 19/ 67/ 2012 إلى كيانات منفصلة أو لوحدات إدارية غير متواصلة ودون مرجعية الشرعية الفلسطينية والتأكيد على سيادتها على ثرواتها وعلى المعابر الدولية البرية والجوية والبحرية.

للعوامل أعلاه باتت الدعوة الأميركية الإسرائيلية ومحورها لسلطة متجددة وإصلاحات مريبة مترافقة مع إتهام القيادة الفلسطينية ورمزها السيد الرئيس محمود عباس بممارسة الإرهاب الدبلوماسي نتيجة لنجاح الدبلوماسية الفلسطينية مدعومة من الأردن ومصر والسعودية والجزائر ومن دول إسلامية وصديقة بعزل السياسة الإسروأميركية دوليًا وتعرية إزدواجيتها بالتعامل مع الشرعة والقرارات الدولية المعبر عنها بارتفاع عدد الدول الأعضاء بالأمم المتحدة المعترفة بالدولة الفلسطينية كعضو مراقب ولولا الفيتو الأميركي لكانت دولة فلسطين دولة عضوًا عاملاً بكامل الحقوق والواجبات باتت منظمة التحرير ببرنامجها الوطني عبئ وعقبة أمام نجاح المخطط الإسروأميركي للمنطقة برمتها.
الإصلاح الأساس المطلوب من دول العالم قبل المطالبة بالإصلاح الفردي للدول المبادرة لإحداث إصلاح دولي يبدأ من إصلاح الأمم المتحدة عبر  تعديل ميثاق الأمم المتحدة الذي عفى عليه الزمن لفشله:

▪︎ بحكم صلاحية الفيتو المناطة حصرًا بالدول دائمة العضوية بمجلس الأمن.

▪︎ لغياب مبدأ العدالة والمساواة بين جميع الدول.

▪︎ الفشل الذريع بتحقيق أهداف الأمم المتحدة بتجسيد السلم والأمن الدوليين وبإنقاذ البشرية والإنسانية من ويلات الحروب.

▪︎ الفشل بإلزام الدول الاستعمارية كالكيان الإسرائيلي بتصفية الاستعمار وتحرير الشعوب من الاستعمار   تمثل الحرية والاستقلال شرطًا لإصلاح حقيقي لدى الدولة الفلسطينية المحتلة التي يحول دون بنائها نظام ديمقراطي فلسطيني وحكم رشيد بكامل المعايير  بقاء الاحتلال الاستعماري الاحلالي الإسرائيلي لأراضي الدولة الفلسطينية المحتلة وما يرافقه من انتهاكات وجرائم وسطو على أموال الشعب الفلسطيني الذي يقف مانعًا أمام أي إجراءات إصلاحية سياسية وإقتصادية وتشريعية كما يصبوا إليه الشعب الفلسطيني وعلى رأسها تمكين الشعب الفلسطيني من الحرية وإقامة دولته المستقلة وتحقيق التنمية المستدامة.
أما الإصلاح المطلوب فلسطينيًا وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني بما يعزز قوة النضال الوطني الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال ودحر المستعمر الإسرائيلي يأتي في المقال القادم إن شاء الله.