ذكريات بعمر النكبة من اللجوء إلى الاعتقال والغربة فالعودة..
اللواء الطيراوي: ليتنا لم نترك قريتنا.. فالبقاء في الأرض عامل أساسي في النضال

 

"كي تنجح المفاوضات لابد من قوة فلسطينية وأخرى عربية أساسها الوحدة"

فتح ميديا-بثينة حمدان- تاريخ ميلاده يجمع حقبتين تاريخيتين سطرت حياة الفلسطينيين ألماً وانجازاً وطنياً. فالخامس عشر من تشرين الأول هو تاريخ إعلان الاستقلال، وعام 1948 هو عام النكبة، والتاريخ بأكمله يشكل تاريخ مولد اللواء توفيق الطيراوي عضو اللجنة المركزية الذي حدثنا عن طفولته ولجوءه وغربته وهي مراحل حياة الفلسطينيين المنكوبين منذ 62 عاماً.

الرحيل من طبريا

حول ذكريات الرحيل القسري عام 1948 قال اللواء الطيراوي: "ولدت في قرية طيرة دندن قضاء اللد وبعد ذلك بشهور رحل أهلي إلى قرية رنتيس قضاء رام الله وهي القرية الأقرب إلى الطيرة، أما والدي اشترى بندقية والتحق بالمقاومة، وكانت جدتي تحملني في حين أن والدتي حملت أختي".

بعدها استمر الرحيل من قرية إلى أخرى ولعل أول مشهد يذكره ويعيه هو: "كنت على حضن جدتي لأبي والتي كانت ترعى الأغنام والأبقار التي كنا نملكها قبل الرحيل، لقد حملتني فجأة على ظهرها وغطتني ببطانية، لتهرب بي من قرية رنتيس إلى اللبن شرقاً، لا أعرف لماذا؟ وعندما كبرت حدثتني جدتي أن ذلك كان أثناء العدوان الاسرائيلي على قبية، كانت خائفة علي واعتقدت أن البطانية ستحميني من الرصاص".

وعبر الطيراوي عن إيمانه بمرارة فقال: "حين كبرت ووعيت تمنيت أن لا يكون أهلي غادروا فلسطين لأن البقاء في الأرض والحفاظ عليها عامل اساسي وهام في نضالنا ضد اسرائيل"، مشيراً إلى أساليب الاسرائيليين والتي ساهمت في التهجير مؤكداً "تأثير قلة ثقافة الفلسطيني أمام وسائل مثل المذابح التي قامت بها والإشاعات التي كانت تبثها اسرائيل حول اغتصابهم للنساء، فالشرف عامل هام لدى الفلسطيني وهو يعادل الأرض".

وتابع "كان مهم جداً هروب النساء والأطفال والبقاء للرجال المسلحين فقط وكان عددهم قليل في ذلك الوقت عدا عن أنهم غير مدربين وسلاحهم وذخيرتهم قليلة، كما استخدمت اسرائيل وسائل كالافراط في استخدام القوة. مما جعل الفلسطيني ينتقل من مكان إلى مكان آخر قريب من قريته، لأن هناك اعتقاد أساسي لدى الفلسطينيين بأنهم سيعودون بعد أيام".

وحول هذا الأيمان أشار الطيراوي أن من يملك مواشي مثلاً كان يغلق عليها الباب ويتركها على اساس أنه عائد ويضع أمامها الأكل على أمل العودة".

أما ما بقي لعائلة الطيراوي التي كانت تملك المواشي والأغنام وقطعة أرض ودكان "لم تأخذ عائلتي شيء سوى المفتاح وأوراق طابو الأرض، هذا ما رأيته وحدثتني عنه جدتي، ولازالت أحتفظ به".

واستطرد قائلاً: "ومن خلال أحاديث جدتي عرفت أنه مع بدء المعارك أصر أبي أن يشتري بندقية فباع جزء من الأبقار والأغنام التي كنا نملكها، وحين دخل الاسرائيليين القرية وبدأ إطلاق النار، يبدو أنه من حظ والدي أن احدى طلقات النار من الاسرائيليين جاءت في البندقية فأعطبتها، وبقي والدي حينها بدون سلاح مع المقاومين إلى أن اضطر للانسحاب".

استمرار الرحيل

وتابع ذكرياته التي استقاها من أحاديث جدته فروى: "عندما ذهبنا إلى قرية رنتيس كان الفدائيين أو المتسللين كما أطلق عليهم، يدخلون القرى التي هجرنا منها لجلب بعض الحاجيات من البيوت والبعض يذهب للقتال، اختلطت الأمور ولم تكن مقاومة منظمة في ذلك الوقت نظراً لاستشهاد كثير من القادة وقلة الامكانيات ونقص التوعية السياسية والنضالية". وشدد أنه "لو كان لدينا مقاومة مسلحة منظمة وامكانات ودعم عربي وتوعية سياسية لما حدث ما حدث، وكانت أنظمة الحكم العربية جزء أساسي في انهيار المقاومة والروح المعنوية لدى الفلسطينيين".

ورحلت عائلة الطيراوي من رنتيس إلى اسكاكا وفي كلتيهما احتضن السكان بكرم بالغ اللاجئين ثم عادت العائلة مرة أخرى إلى رنتيس ودرس توفيق الطيراوي في مدرسة رنتيس حتى الصف الثالث الابتدائي وخلال هذه الفترة أوضح الطيراوي: "سافر والدي بطريقة التهريب للعمل في الكويت، وكان جزء من الناس الذين سافروا يلاقون حتفهم، وذلك عبر سيارات للمواشي أو الأعشاب".

وأضاف أن والده كان قبل السفر يبدل المنتوج الزراعي من الأرض التي استئجرتها العائلة يبدل القمح بالعنب من القرى القريبة ويبيع العنب في القرية، وبعض المواشي، أما الذبح فكان في حالة واحدة لعدم وجود ثلاجات فكان يسأل أهل القرية ويسجل كمية اللحم التي تريدها كل عائلة قبل أن يقرر الذبح. وتابع "بعد سفر الوالد عملت أمي وجدتي في الزراعة وتربية الماشية وبيع الحليب والجبنة".

زيارة الطيرة

وعن زيارته للقرية أخبرنا أنها تسمى الآن بطيرة يهودا، وحين وصل المفترق المؤدي لها عام 1996 قال متألماً: "كان لدي احساس أنني إذا وصلتها سأصاب بجلطة وأموت على أرضها لكنني ذهبت بغض النظر عن النتيجة، وعندما وصلت مفترق طريق اللد قلقيلية و"تل أبيب" وقرأت اليافطة "من هنا طيرة يهودا" أصبت بحالة غير طبيعية وقررت العودة ولم أصل القرية قط، لم أستطع تحمل هذا الموقف الصعب".

تأثير المخيم

انتقلت العائلة بعدها إلى السلط ثم عادت إلى مخيم عقبة جبر، وهناك بدأت تتشكل شخصيته السياسية والوطنية فقال: "كان للمخيم علاقة بالتكوين الوطني، وفيه اقتنيت السلاح وشاركت بمظاهرات عديدة، وتأثرت بأساتذتي ومنهم عوني الشيخ والذي لاحقاً عرفت أنه قومي عربي، وكان يخطب فينا كل صباح على طريقة جمال عبد الناصر الذي نحبه، وتأثرت بأستاذ آخر عرفت لاحقاً أنه بعثي، وبالأستاذ محمد أبو الليل وهو من الأخوان المسلمين والذي حاول تنظيمنا واعطاءنا دروس دين لكنه كان يشتم عبد الناصر، فاعترضت وتسائلت عن علاقة ذلك بدروس الدين فمنعني من العودة إلى الدرس".

حلم العودة

تابع الطيراوي تعليمه في بيروت وانخرط في عدة دورات تدريبية عسكرية وكان أول من نظمه في حركة فتتح نبيل أبو عماشة في بيروت في حين كان متأثراً بشدة بالشهيد القائد أبو إياد، وتعرض للاعتقال عام 1985 مدة خمس سنوات في دمشق، واستطاع دخول أرض الوطن عام 1995 مع اتفاقية أوسلو وحول هذه العودة قال: "رغم ما يقال ضد أوسلو لكن أفضل ما في اوسلو هو هذه العودة، كانت الفرحة غير طبيعية عند دخول الجسر رغم الوجود الاسرائيلي فالحنين والعودة إلى الوطن هامة جداً، وجعلتنا نناضل عن قرب، في مواجهة مباشرة مع الاسرائيليين".

ووجه الطيراوي كلمة في ذكرى النكبة فقال: "يجب ان تبقى قضيتنا حية، بالصمود، باستمرار النضال على أشكاله، بوحدتنا، بثباتنا بأرضنا، دون يأس وهجرة، نناضل لإقامة دولتنا سواء بالتظاهر بالاضراب بالعلم بالصمود بالبناء وزراعة الأرض وبالمفاوضات الجادة ووحدة الموقف".