"جميع الحكومات الإسرائيلية تعتبر آخر قوى العالم الغربي الاستعمارية". كلام دقيق وواضح نعرفه جيدًا ويعلمه الساسة الرسميون العرب جيدًا، منهم من جهر بالحقيقة التي يستحيل على أصحاب الضمائر الحية إغفالها، ومنهم من آثر بلع لسانه وعليه تفاصيل الحقيقة، واتخذ سبيل النفاق والخداع أو التعمية على الحقائق لتمرير مصالح ذاتية سلطوية ولتبرير اتفاقيات وتحالفات غايتها الأولى والأخير حماية أنظمتهم على حساب المبادئ الناظمة لمواقف وقيم الشعوب ورؤاها البعيدة المدى لمصائرها، ولحاضرها ومستقبلها أيضًا. 

أهمية الكلام أعلاه بين مزدوجين الذي وصفناه بالدقيق الواضح تكمن في أنه قيل في منتدى "حوار المنامة" عاصمة مملكة البحرين المتسارعة خطى مسؤوليها للتطبيع مع حكومة منظومة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني (إسرائيل) على مرأى ومسمع وزير خارجية هذه المنظومة غابي اشكنازي الذي تمنى لو أن قائله الأمير تركي الفيصل لم يحضر اللقاء، حتى أنه استشاط غضبا مما سمعه وشاهده عبر تقنية (الفيديو كونفرانس) فقائل هذه العبارة التي تلخص طبيعة (إسرائيل) وأسباب الصراع العربي الإسرائيلي كان مهما أن نسمعها ويسمعها الأشقاء العرب عمومًا وفي الخليج خصوصًا، وفي الإمارات والبحرين تحديدًا، خاصة أن القائل وما تلاها هو رئيس الاستخبارات السابق في المملكة العربية السعودية تركي بن فيصل بن عبد العزيز آل سعود مكة ابن الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود الذي شغل منصب سفير المملكة في بريطانيا في عهد الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود ثم سفيرًا لبلاده لدى الولايات المتحدة الأميركية في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز آل  سعود. 

لم يكتف الفيصل بهذه الخلاصة التي يؤمن بها كل عروبي قومي يدرك خطر المشروع الصهيوني على الوطن العربي والأمة العربية، وإنما ذهب في تقديم تفاصيل، نعتقد أنه في هذه اللحظات التاريخية المعقدة أن يسمعها المطبعون ويفكرون فيها جيدا خاصة أنها تأتي من ركن أساس في المملكة العربية السعودية التي تعتبر العمود الفقري للخليج العربي، فالفيصل قال: "إن الحكومة الإسرائيلية تصور نفسها كمُحبة للسلام وحاملة للقيم السامية، زعموا أنهم حماة لحقوق الإنسان، وادعوا أنهم الدولة الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط، وصوروا أنفسهم كدولة صغيرة تعاني من تهديد وجودي محاطة بقتلة متعطشين للدماء يرغبون في القضاء عليها"... ثم قال فيما يشاهده ويسمعه على الطرف الآخر مجرم حرب (غابي اشكنازي) صار وزير خارجية في حكومة  نتنياهو اليوم: "الإسرائيليون واصلوا البناء على الأراضي المحتلة، وبنوا حائط فصل عنصري لمنع سكان هذه الأراضي من العودة إلى ممتلكاتهم المسروقة، في حين قالت محكمة العدل الدولية إنه غير قانوني.. كما ألقت القبض على الآلاف ووضعتهم في معسكرات، دون محاكمة عادلة، وهدموا المنازل. أي نوع من الديمقراطية هذا؟. ثم قال "لدى إسرائيل 200 سلاح نووي تسمى "ردع هرمجدون". 

نعتقد بأهمية كلام الأمير تركي الفيصل البالغة، فقد رسم خطوطًا حمراء حتى ولو أنه لا يشغل منصبًا رسميًا، وربما يقطع الشك باليقين حول فشل منظومة الاحتلال في رمي شباك التطبيع على المملكة، وأخذها إلى مربع التفريط والتنازل عن المبادرة العربية التي قدمتها المملكة العربية السعودية وتبنتها القمة العربية في بيروت في العام 2002 فقد قال: "أعربوا عن رغبتهم- الاسرائيليون -  في أن يكونوا أصدقاء للسعودية... جميع الحكومات الإسرائيلية تعتبر آخر قوى العالم الغربي الاستعمارية، وكل الحكومات الإسرائيلية رفضت مبادرة السلام العربية منذ 2002". وأعاد الفيصل التذكير بأولويات تحقيق السلام في المنطقة وتسلسلها، فأكد على ضرورة قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وحل مشكلة اللاجئين، حتى يمكن تحقيق السلام "وذكر الجميع بأن هذا الموقف هو موقف الملك سلمان بن عبد العزيز وموقف ولي العهد محمد بن سلمان ...". "فالجروح المفتوحة لا تعالج بمسكنات الألم" وبهذه العبارة أعرب عن موقفه مما يسمى "اتفاقات ابراهام" التي ربط إمكانية تطبيقها وديمومتها دون تطبيق المبادرة العربية، التي قال بوجوب "أخذها على محمل الجد"، حتى أنه ربط نجاح وتطبيق (اتفاقات ابراهام) بتطبيق بنود المبادرة العربية. 

وزير الخارجية الإسرائيلي غابي اشكنازي البلغاري الأصل، رئيس الأركان التاسع عشر في جيش الاحتلال الإسرائيلي عام 2007. والمشارك في عملية عنتيبي، وقائد لواء جولاني سنة 1987 والمسؤول عن مهمة إخلاء جيش الاحتلال من جنوب لبنان تنفيذا لقرار حكومة إيهود باراك. وفي العام  2009 أشرف اشكنازي على العملية التي أطلق عليها جيش الاحتلال "الرصاص المصبوب" في قطاع غزة، حيث استشهد أكثر من 1000 مواطن فلسطيني وجرح حوالي 15 الفا، بعد سلسلة غارات من كل صنوف الأسلحة، ارتكب خلالها جيش الاحتلال جرائم حرب وأبيدت فيها عائلات بأكملها، ودمرت عمارات مدنية فوق رؤوس ساكنيها الفلسطينيين، معركة شكلت الأمم المتحدة بعثة لتقصي الحقائق، لكن اشكنازي مجرم الحرب هذا الذي رفض مثول أي من جنوده أمام محكمة دولية اعتبر كلام الأمير تركي الفيصل بأنها: "لا تعكس روح التغيير التي تمر بها المنطقة". وكان التغيير بالنسبة لمجرمي الحرب يعني الاستسلام والرضوخ والخضوع، والاقتناع بأن منظومة الاحتلال الاستعماري العنصري في إسرائيل هي من تصنع قدر هذه المنطقة حاضرًا ومستقبلاً.. لكن بما أن لدى أشقاء عرب قناعة بأن إسرائيل هي آخر القواعد الاستعمارية الغربية، فإننا على يقين بأننا سنسترجع أرضنا حتمًا، وأن الاستعمار والاحتلال سيصبح مجرد سطور في كتب التاريخ.