تقرير: عماد فريج
جاء القرار الذي اتخذته القيادة الفلسطينية، ليلة أمس الثلاثاء، بوقف العمل فورا بالاتفاقيات الموقّعة بين منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، وإسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال، والولايات المتحدة الأميركية راعية هذه الاتفاقيات، بعد أن تجاوزت حكومة الاحتلال كل الخطوط الحمراء بإعلانها الصريح عن مخططاتها لفرض السيادة على أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، مدعومة بـ"الضوء الأخضر" الأميركي الذي مهّد الطريق أمامها للمضي قدما في مخططاتها الاستيطانية الاستعمارية، لتدمّر ما تبقى من فرص ضئيلة لتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة، المستند إلى حل الدولتين.
القرار الذي أعلن عنه رئيس دولة فلسطين محمود عباس، وحظي بإجماع فصائل منظمة التحرير، يعد تطبيقا عمليا للقرارات التي اتخذها المجلس الوطني الفلسطيني وتوصيات اللجنة التنفيذية للمنظمة والتي أقرها المجلس المركزي في دورته التاسعة والعشرين، بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها.
ويأتي تطبيق هذا القرار بعد نحو عامين من الإعلان عن قرارات المجلسين الوطني والمركزي، وذلك بعد أن استنفدت القيادة الفلسطينية كل محاولة ممكنة للإبقاء على التزامها بهذه الاتفاقات، في ظل تنصل حكومة الاحتلال من التزاماتها، وتنفيذها لخطوات أحادية الجانب لتكريس احتلالها للأرض الفلسطينية، وبعد أن خلعت الإدارة الأميركية ثوب الانحياز لإسرائيل لترتدي ثوبا أكثر سوداوية متمثلا بإعلانها عن "صفقة ترمب" وما سبقها من خطوات ومؤامرات تهدف إلى نسف القضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني المتمثل بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
فمنذ وصوله إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، اتخذ دونالد ترمب سلسلة من الخطوات التي كانت مقدمة لإعلان صفقته للسلام المزعوم، والتي تنتقص من كافة الحقوق الفلسطينية وتناقض كافة قرارات الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، وحتى الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
ففي كانون الأول 2017 قرر ترمب نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، ورد الفلسطينيون بمقاطعة الإدارة ووقف اللقاءات الرسمية مع الجانب الأميركي.
ثم حجزت إدارة ترمب مبلغ 65 مليون دولار في آب 2018 من الأموال المخصصة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في إطار مساعيها لتصفية قضية اللاجئين.
وفي أيلول من العام ذاته، أغلقت مكتب منظمة التحرير في واشنطن في محاولة لثني القيادة الفلسطينية عن التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية لإجراء تحقيق بشأن الجرائم الإسرائيلية بحق شعبنا.
وفي نيسان 2019 رفض وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو التأكيد على أن حل الدولتين يعد إحدى ركائز سياسة بلاده في الشرق الأوسط، وقال "نحن نعمل مع أطراف عدة على طرح رؤية للسلام للشرق الأوسط".
ثم جاء مؤتمر البحرين الاقتصادي في حزيران 2019 الذي طُرح خلاله الشق الاقتصادي من "صفقة القرن"، وسط مقاطعة فلسطينية وعربية ودولية واسعة، أسهمت في إفشال المؤتمر.
وفي تشرين الثاني 2019 أعلنت إدارة ترمب تغيير السياسة الأميركية فيما يتعلق بوصف المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ما شكّل دعما لمخططات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بفرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية، بما فيها المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، والتي يتناقض وجودها مع القرارات الأممية والقانون الدولي.
قبل أن تتوّج الإدارة الأميركية موقفها المعادي لشعبنا والداعم للاحتلال وجرائمه، بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن "صفقة القرن" في شهر كانون الثاني الماضي (2020)، ليمهد الطريق أمام حكومة الاحتلال ورئيسها المتهم بالفساد نتنياهو، لدق المسمار الأخير في نعش "حل الدولتين" وإمكانية إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، والتوجه نحو تكريس احتلاله لأجزاء من الأراضي من الضفة الغربية، تشمل المستوطنات غير الشرعية والأغوار الفلسطينية التي تشكّل وحدها 28% من مساحة الضفة الغربية الإجمالية.
ويرى المراقبون أن تنفيذ التهديدات الإسرائيلية بالاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية لا ينهي حل الدولتين فحسب، بل يشكّل خطرا على أمن واستقرار المنطقة ككل، ويهدد مبادئ الالتزام بالقانون الدولي والقرارات الأممية.
في المقابل، فإن قرار القيادة الفلسطينية بوقف العمل بالاتفاقات، لا يلغي بأي شكل كان، التزامها بالقرارات الأممية والشرعية الدولية لإيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى تمسكها بخيار السلام استنادا إلى "مبادرة السلام العربية".
المطلب الفلسطيني واضح وثابت وغير قابل للنقاش: دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، وحل عادل لمختلف القضايا المتعلقة بالحدود والمياه.
كما يشكّل هذا القرار دعوة صريحة للمجتمع الدولي، لتحمل مسؤولياته تجاه انتهاك إسرائيل للقانون الدولي وللقرارات الأممية ومواصلة جرائمها بحق شعبنا، مع التأكيد على ضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس.
وفي ظل الهجمة الصهيو-أميركية المتواصلة ضد شعبنا، يتوجب على الفلسطينيين بمختلف مشاربهم وأطيافهم أن يتوحدوا ويقفوا صفا واحدا خلف القيادة الفلسطينية الشرعية، المتمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، وإسنادها ودعمها في موقفها الثابت والرافض لكافة المؤامرات والصفقات والخطط المزعومة، والهادفة لتصفية القضية الفلسطينية.
ومن هذا المنطلق، فإن تفعيل المقاومة الشعبية هو صمام الأمان للدفاع عن أرضنا وشعبنا ومقدساتنا الإسلامية والمسيحية ومنجزاتنا الوطنية، في وجه الاحتلال ومشاريعه الاستيطانية والتوسعية.
وعلى الصعيد الدولي، فإن الدبلوماسية الفلسطينية مطالبة بمواصلة جهودها من خلال سفارتنا وممثلياتنا المنتشرة في أصقاع المعمورة، من أجل حشد الدعم لقضيتنا العادلة، وفضح الاحتلال وجرائمه، والدعوة لمقاطعته وعزله سياسيا واقتصاديا وثقافيا.
بالإضافة إلى المتابعة الحثيثة للملفات المقدمة لمحكمة الجنايات الدولية، وصولاً إلى محاكمة قادة الاحتلال على جرائمهم المقترفة بحق أرضنا وشعبنا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها