زهران معالي
منذ أيام، تشهد الأغوار الفلسطينية كبقية المناطق موجة حر شديدة وصلت درجة الحرارة فيها منتصف الأربعينات، فيما يتوقع أن تشهد تراجعا بدرجات الحرارة خلال الأيام القادمة. لكن هذا لا يعني أن التبريد في طبقات الجو سينتج عنه تبريد على سطح الأرض، التي يبدو أنها قادمة على صيف مشتعل بمجريات أحداثه.
تنوي حكومة الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ خطة الضم لأجزاء من الضفة الغربية تشمل منطقة الأغوار الفلسطينية تحت السيادة الإسرائيلية، بداية شهر يوليو/تموز المقبل، وفق اتفاق رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وزعيم تحالف "كاحول لافان" بني غانتس.
لكن عمليا، كل الحقائق والشواهد على الأرض في منطقة غور الأردن، تظهر أن تنفيذ الخطة قائم فعليا على أرض الواقع، وأن أطماع الاحتلال بالمنطقة الإستراتيجية ليس بالأمر الجديد، بل بدأ منذ احتلالها عام 1967.
وأمكن مشاهدة تمدد اخطبوط الاحتلال وبسط أذرعه على المنطقة في كل ما هو فوق الأرض وتحتها، بالبناء والزراعة والصناعة والمياه..، عبر فرض سياسة الأمر الواقع بتسريع وتيرة المشاريع الاستيطانية تارة وإقامة معسكرات للجيش، أو مناطق إطلاق نار وتدريبات عسكرية، ومحميات طبيعية، مقابل مواصلة التهجير والتشريد للفلسطينين لتفريغ المنطقة من أصحابها ومصادرة أراضيهم تارة أخرى.
وتختفي في التجمعات الفلسطينية الـ27 المتواجدة بمنطقة الأغوار، أدنى مقومات الحياة الرئيسية، فلا خطوط للماء، أو الكهرباء، ولا طرق معبدة تصل فيما بينهم، فيما خلت من أية معالم لأبنية خرسانية حديثة للفلسطينيين، في المقابل استطالت مباني المستوطنين باتجاهات متعددة على قمم التلال عبر مساحات شاسعة.
ومنذ احتلال منطقة الأغوار، بقيت نقطة صراع دائم بين حكومات الاحتلال المتعاقبة التي وجدت فيها ذراعا أمنيا واقيا من أي هجوم من الشرق، وبين الفلسطينيين الذين يرون أية خطوة إسرائيلية للتغير في واقع المنطقة، نسفا لدولتهم الموعودة.
ومنذ إعلان تشكيل حكومة الاحتلال الأحد الماضي، تسابق نتنياهو ووزراء حكومته على تصريحاتهم التي تؤكد نيتهم تنفيذ خطة الضم، حيث قال أمام الهئية العامة للكنيست الإسرائيلية بعد مصادقتها على تنصيب الحكومة: "إن الوقت قد حان لتطبيق القانون الإسرائيلي على الضفة الغربية، وكتابة فصل عظيم آخر في سجلات الصهيونية".
وادعى نتيناهو أن "خطوة الضم لن تبعد السلام بل ستقربه... والحقيقة التي يعرفها الجميع أن مئات آلاف المستوطنين في الضفة الغربية لن يغادروا مكانهم في أي تسوية"، مشيرا إلى أنه وعلى مدار ثلاث سنوات دفع بمخطط "الضم" بالسر والعلن.
فيما تعهد وزير جيش الاحتلال الجديد بيني غانتس، بالعمل على دعم تنفيذ صفقة القرن، قائلا: "أتعهد ببذل كل ما بوسعي لدفع التسوية السياسية والسعي للسلام، وسنعمل على دفع خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام بكل ما ورد فيها".
ويبدو أن الصراع على "قاع العالم" يتجه إلى "صيف حار" يحمل عواقب وخيمة قد تنجم عن تنفيذ خطة الضم، بدت أولى ملامحه بإعلان رئيس دولة فلسطين محمود عباس، الليلة الماضية، أن منظمة التحرير، ودولة فلسطين قد أصبحتا في حل من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأميركية والإسرائيلية، ومن جميع الالتزامات المترتبة عليها، بما فيها الأمنية.
وكان السفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، في وقف سابق، حض حكومة نتنياهو وغانتس، على تسريع الإعلان عن ضم مناطق في الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل.
وقال فريدمان لصحيفة إسرائيلية إنه "إذا أعلنت حكومة إسرائيل عن ذلك، فإن الولايات المتحدة مستعدة للاعتراف خلال الأسابيع القريبة بسيادة إسرائيل على غور الأردن والاستيطان الإسرائيلي في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)".
وتمتد الأغوار من بيسان حتى صفد شمالا، ومن عين الجدي حتى النقب جنوبا، ومن منتصف نهر الأردن حتى السفوح الشرقية للضفة الغربية غربا، وتبلغ المساحة الإجمالية للأغوار وشمالي البحر الميت 1.6 مليون دونم.
وتشكل الأغوار 28% من مساحة الضفة الغربية الإجمالية، ويعيش فيها أكثر من 65 ألف فلسطيني، وتضم 27 تجمعا سكانيا ثابتا على مساحة 10 آلاف دونم، وعشرات التجمعات الرعوية والبدوية، وتتبع إداريا لثلاث محافظات، هي: طوباس (الأغوار الشمالية) بواقع 11 تجمعا، ونابلس (الأغوار الوسطى) وتشمل 4 تجمعات، وأريحا (الأغوار الجنوبية) وتضم 12 تجمعا.
ويبدو الاستثمار الاستيطاني في الأغوار الفلسطينية طاغيا، وأقامت إسرائيل منذ احتلالها للمنطقة 37 مستوطنة يسكنها قرابة 11 ألف مستوطن تسيطر على 12% من أراضي المنطقة، وأكثر من 90 معسكرا للجيش، وتسيطر على 400 ألف دونم؛ بذريعة استخدامها مناطق عسكرية مغلقة، أي ما نسبته 55.5% من المساحة الكلية للأغوار، ويحظر على المواطنين الفلسطينيين ممارسة أي نشاط زراعي أو عمراني أو أي نشاط آخر في هذه المناطق.
وتقسم مناطق الأغوار وفق اتفاقية أوسلو إلى: مناطق A))، وتخضع لسيطرة الفلسطينيين، ومساحتها 85 كم2، ونسبتها 7.4% من مساحة الأغوار الكلية، ومناطق (B)، وهي منطقة تقاسم مشترك بين فلسطين وإسرائيل، ومساحتها 50 كم2، ونسبتها 4.3% من المساحة الكلية للأغوار، ومناطق (C) وتخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، ومساحتها 1155 كم2، وتشكل الغالبية العظمى من منطقة الأغوار بنسبة 88.3%.
ومنذ الأشهر الأولى لاحتلال إسرائيل للأغوار، وضعت خطة ضمن استراتيجية ممنهجة لتفريغ الأغوار من ساكنيها، بدأتها بتدمير 32 قرية فلسطينية عام 1967، وأحلت مكانها مستوطنات ومعسكرات للجيش، وأحكمت السيطرة على الأرض والموارد فيها.
وتحتوي منطقة الأغوار الجنوبية على 91 بئرا، والأغوار الوسطى على 68 بئرا، أما الأغوار الشمالية فتحتوي على 10 آبار، 60% منها حُفِرَت قبل 1967، ولم يجر تجديدها نظرا للعراقيل الإسرائيلية، حيث يعمل 111 بئرا، فيما لا يعمل 58 بئرا منها.
وتشير دراسة لمركز عبد الله الحوراني للدراسة والتوثيق إلى أن دولة الاحتلال تسيطر على 85% من مياه الأغوار الشمالية، فيما يتحكم الفلسطينيون بـ15% المتبقية، ولا تسمح سلطات الاحتلال بإعطاء تراخيص لحفر آبار للفلسطينيين مهما كان عمقه، بينما تقوم شركة "ميكروت" الإسرائيلية بحفر الآبار التي يصل بعضها إلى عمق مئات الأمتار، بغية تزويد المستوطنات والمزارع التابعة لها بالمياه طوال العام، وأدت هذه السياسة إلى تجفيف عشرات الابار والينابيع المنتشرة في المنطقة بفعل هذه الآبار العميقة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها