عشية اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح يوم الثلاثاء الماضي الموافق 5/5/2020 أرسل القائد احمد سعدات، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من أسره رسالة للرئيس محمود عباس، كرئيس للشعب الفلسطيني ورئيس لحركة فتح بعد أن شاب العلاقات الثنائية توتر إعلامي بسبب مطالبة الشعبية بمستحقاتها المالية، المقطوعة منذ ما يزيد على العامين.

وتداركًا من الرفيق أبو غسان حراجة اللحظة السياسية، التي تمر بها القضية الفلسطينية بادر لخطوته الإيجابية لضبط إيقاع العلاقات الثنائية بين الفصيلين والقيادتين، ولحماية العلاقات الكفاحية بينهما، وقطع الطريق على القوى المتربصة بهما وبالساحة الوطنية عموما.

وقبل الحديث عن أهمية الرسالة ودلالاتها التنظيمية والسياسية والكفاحية، رأيت من الواجب تدوين ملاحظات سريعة على تزوير نص الرسالة، الذي استوقف كل من يعرف الرفاق في الشعبية، وملم بخطابهم السياسي، ومنهجيتهم التنظيمية، وبحكم معرفتي العميقة لمنطق الرفاق في الجبهة، من لحظة قراءتي للنص المفبرك، شعرت أن الأيدي الخبيثة لا تريد للعلاقة بين الفصيلين التوأمين تجسير العلاقة، وردم وإزاحة كل العقبات من طريق الشراكة التاريخية، التي جمعتهما في بوتقة الكفاح الوطني التحرري في الثورة الفلسطينية المعاصرة، وتحت مظلة وراية منظمة التحرير الفلسطينية.

ومن قرأ النص غير الأصلي أدرك، أن النص لا علاقة له بموقف الأمين العام للشعبية، لأنه وفق النظام الداخلي لا يستطيع الرفيق سعدات التقرير بمصير أي عضو، ولا يقبل لنفسه تجاوز الهيئات الحزبية ذات الصلة بهذا الرفيق أو ذاك.

كما أن مخاطبة الرئيس أبو مازن بقدر ما تحمل الاحترام والتقدير لشخصه ولمكانته القيادية والتنظيمية والسياسية، إلا أن الرفيق أبو غسان لا يعتمد لغة العطف، لأنه يتحدث من موقع الندية، والاحترام للذات.

ومع ذلك استغربت ردة فعل الرفاق في الشعبية على تعميم نص غير أصلي للرسالة، وما كان مطلوبًا منهم كل هذا التوتر، لأن من له معرفة بهم، أدرك أن النص غير دقيق، ورغم الثغرات في النص، إلا انه حمل طابعًا إيجابيًا لم يخرج عن روح الرسالة الأصلي. وحسنًا فعلت قيادات فتح بردها الإيجابي.

وبالعودة لأهمية ودلالات الرسالة يمكن تدوين التالي: أولاً جاءت في لحظة سياسية حساسة وخطيرة، ومن موقع الإدراك لأهمية تغليب القضايا العامة والأساسية على حساب القضايا الخاصة؛ ثانيًا وضعت حدًا للحملات الإعلامية غير الإيجابية بين الفصيلين الرئيسيين في الساحة؛ ثالثًا أكدت على أهمية الوحدة الوطنية، كأولوية في هذه المرحلة لا سيما وأن القضية والمشروع الوطني بات في مهب الريح؛ رابعًا أكدت على التمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية، كممثل شرعي ووحيد، ورفضت وردت في ذات الوقت على خيار الانقلاب الحمساوي، والسياسات الإنفصالية للانقلابيين؛ خامسًا ردت على خطاب رئيس حكومة تسيير الأعمال الفاسد، وعلى الإدارة الأميركية ومخططاتها التصفوية وخاصة "صفقة القرن"، وعلى قرارات الضم والتهويد والمصادرة والأسرلة للأرض الفلسطينية في الأغوار والقدس وعموم الضفة؛ سادسًا تمثل الرسالة تجسيدًا لِسياسة الشعبية التاريخية في حماية الذات الوطنية ... إلخ    

مما لا شك فيه، أن الرسالة وجدت صدى إيجابيًا في أوساط حركة فتح كلها واللجنة المركزية خصوصًا ولدى شخص الرئيس محمود عباس تحديدًا، وهذا ما وجد انعكاسه في الإجتماع الأخير الأسبوع الماضي، وفتح الأفق لِفتح صفحة جديدة بين الفصيلين والقيادتين لتجسير الهوة بينهما، وإعادة الدفء والحرارة للعلاقات الثنائية المشتركة.

ومما لا شك فيه، أن تقدير الرئيس عباس لرسالة الرفيق أحمد سعدات الإيجابية سيجد صداه في ترميم الجسور مع التنظيم الثاني في منظمة التحرير على أكثر من مستوى وصعيد للدفاع عن القضية والمشروع الوطني ووحدة الأرض والشعب والأهداف الوطنية، وفي ترتيب البيت الفلسطيني، وحماية منظمة التحرير من المتربصين بها.