في الأسبوعين الأخيرين، تعقد المشهد السياسي في إسرائيل كثيرًا، انعقاد المحكمة الاسرائيلية العليا للتداول إذا كان هناك عوائق أمام نتنياهو لِتشكيل حكومة الوحدة، أو حكومة الطوارئ أو حكومة التناوب بين نتنياهو وحليفه اللدود غانتس، وفعلاً انعقدت المحكمة الإسرائيلية العليا بعد هجوم كاسح ضدها شنه نتنياهو وفعلاً انعقدت أشبه بِعرض مسرحي هزلي، فالكل كان يعلم أنها ستحكم بهذا الحكم الذي نطقت به، وهو أنه لا يوجد أيّة عواقب، بل أكثر من ذلك، فإن الكنيست الذي ثبت خلال إجراء الانتخابات ثلاث مرات في عام واحد أنه عاجز عن فعل أي شي، قد فاجأ نفسه حين صوت بأغلبية 72صوتًا لِصالح نتنياهو لتدل على أن القرار الإسرائيلي لا يؤخذ في الكنيست ولا في الحكومة ولا في إسرائيل كلها بل يؤخذ في واشنطن.

والإسهال في التصريحات من قبل ديفيد فريدمان سفير أميركا في إسرائيل يدل على ذلك، فقد بدأ سلسلة تصريحاته بحث إسرائيل على ضم بعض الأراضي الفلسطينية في الضفة وضم المستوطنات وغور الأردن بسرعة، وهذا أمر مستغرب، لأن قرار الضم هو جوهر صفقة القرن السوداء الفاشلة، وأكبر عنصر في فشلها أن الشعب الفلسطيني بقيادته الشرعية رفضوها منذ اليوم الأول، وأنه من دونهم ستكون هذه الصفقة مجرد هراء فارغ وجنون مطبق قد تطيح بآخر هياكل الإدارة الأميركية التي يقف على رأسها ذلك الذي يعاني من قصور عقلي خطير دونالد ترامب.

ومعروف أن الرئيس ترامب يعاني من مشاكل عاصفة داخل أميركا وخارجها وخاصة (كوفيد- 19) وتأثيره الاقتصادي المربك، فالذين يسجلون في قوائم العاطلين عن العمل يزيد عن ثلاثين مليونًا، والقروض التي تتحملها أميركا تزيد عن 25 مليارًا، مع أن موعد رحيل كوفيد- 19 لم يتحدد بعد، وأن الضجة التي قامت ولم تقعد عبر الاتهامات التي وجهها ترامب الى الصين والى منظمة الصحة العالمية زادت من ارتباكه بالإضافة الى أن ترامب الذي يقترب من موعد الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني القادم تقترب بسرعة، وهو يضيف لنفسه عوامل احباط جديدة كل يوم، وإدارته تردد تصريحات خرقاء لا معنى لها، ولذلك وجدنا ديفيد فريدمان يتقدم الصفوف ليلعب الدور ويسهب في فضح نفسه بِأنه ليس سوى مستوطن صهيوني، بل هو أسوأ من المستوطنين وأكثر تعصبًا منهم، وهو كما أعلن في السابق يدعم المجموعات الإرهابية في إسرائيل الذين يرتكبون جرائم ويطلقون النار عشوائيًا على الفلسطينيين مثل فتية التلال والمجموعات الإرهابية الأخرى، وهو يتبرع بالأموال لصالح هذه المجموعات، ولهذا رأيناه ينزلق بغباء شديد الى إعلان قناعات الصهيونية التافهة، فينزلق في هذه التصريحات الى الحدود القصوى مثل قوله أن قرارات الضم سوف تنفذ خلال أسبوعين، وأن إسرائيل منطقيًا لا يمكن أن تفرط في الخليل، وأن الدولة الفلسطينية لن تقوم إلا إذا أصبح الفلسطينيون كنديين !!!!!! الى هذه الدرجة من التعصب وعدم الكفاءة كشف فريدمان نفسه وفضح نفسه، وأكد أن مهمته كسفير لا تتيح له الانزلاق الى هذا الحد الغبي.

وهكذا وجدنا فجأة أن صراع الصلاحيات بين الحكومة الإسرائيلية، والمحكمة العليا والكنيست ذاب كله في غمضة عين للتأكيد من جديد بِأن كل ما ادعته إسرائيل عن حصانة الاستقلال بين المؤسسات التنفيذية والدستورية والقضائية في إسرائيل ليست سوى أكاذيب وأوهام، وأن إسرائيل تحتكم بالمطلق لأميركا. وهذا ما نعرفه جيدًا في فلسطين، لأنه حتى الاتفاقات التي عقدت بيننا وبين إسرائيل تمت بدون علم أميركا وإلا ما كانت حدثت أبدًا، وأن هذه الثرثرة التي غرق فيها فريدمان السفير الأميركي في إسرائيل، هي تعبير واضح عن مدى السطوة الأميركية على الجميع في إسرائيل، وأن النيوليبرالية الحاكمة في أميركا قد وصلت الى نهاية عهدها ليس فقط أن كوفيد- 19 يكشف ذلك بل فقدان الموقع الأميركي على مستويات عدة، فمن يثق بأميركا اليوم؟، ومن يصدقها؟ أميركا تواجه المأزق الذي صنعته بيديها، ومن دون انقلاب حاد على الذات فإن أميركا سيضاعف يأسها من الانقاذ.