استقالة جيسون غرينبلات المبعوث الأميركي، مبعوث دونالد ترمب إلى سلام الشرق الأوسط، هي إحدى البشارات الثمينة لشعبنا الفلسطيني وعلى رأسه قيادته الواعية والشجاعة، بأنَّ مؤامرة الرئيس الأميركي وحليفه رئيس الوزراء الإسرائيلي، تمرُّ باستعصاء خانق إشارة إلى تراكم المعطيات التي تضع الفشل الكبير، كانت الإدارة الأميركية قد سرَّبت في الآونة الأخيرة أنّها ستعلن عن صفقة القرن قبل الانتخابات الإسرائيلية في السابع عشر من هذا الشهر، وكان هذا الإعلان المبكر لو تم، سيكون محاولة أخيرة لدعم نتنياهو الذي يواصل الجنون والتخبُّط ليكسب هذه الانتخابات ويُشكِّل ائتلافه الحكومي الذي فشل في تشكيله في نيسان الماضي، أيام قليلة بعد التسريب فوجئنا بأنَّ الإدارة الأميركية تقول إنَّ الإعلان عن صفقة القرن سيكون بعد الانتخابات مباشرة، ما هذا؟ لماذا التراجع؟ وقد جاءنا الجواب بمزيد من الجنون والتخبُّط من نتنياهو نفسه، تصعيد العدوان، ومحاولة الإفلات من قواعد الاشتباك المرسومة، وتجاوزها في لبنان، وسوريا، والعراق، ولكنَّ السحر انقلب على الساحر، وكان الفشل، وها هو نتنياهو يحاول الهروب إلى مدارات جنون جديدة، الفلسطينيون العرب في (إسرائيل)، ومحاولة اللعب في مكوناتهم، لأن نجاح القائمة المشتركة هو خسارة لليمين الإسرائيلي، واليمين الإسرائيلي هو بيت نتنياهو، هو الرقعة التي يجيد اللعب بها، فإذا خسر هذا اليمين فمعناه أنَّ نتنياهو سيخسر، والخسارة تقود إلى السجن بسبب تراكمات فسادة ذي الرائحة التي تزكم الأنوف.
ومعروف أنَّ اليمين الإسرائيلي هو الاستيطان، وهو القتل اليومي، هو الهدم، هو الحفريات والتخريب في القدس، هو كل بشاعات الاحتلال الإسرائيلي، هو جوهر الحركة الصهيونية التي دخل إليها دونالد ترامب، فهو المسيحي الصهيوني المتعصب، لكنّه يخسر الأفق باستمرار، ويلعب لعبة الحافة، وأقوى احتمالاته هي السقوط، وأبرز عناوين هذا السقوط هي تهيّؤاته المضطربة في أفق القضية الفلسطينية. هو يعرف أنَّها قضية القضايا ،ويعرف أن لها قيادة شجاعة وواعية ومجربة، ولها شعب معروف أنّه من صناع القيامات، ولذلك حاول أن يفعل ما لم يفعله أحدٌ آخر، تورط في صفقة القرن، ولكن صفقة القرن ماتت بين يديه.
هذا الانتصار ثمين للغاية، فهو بداية لمرحلة تصحيح في المواقف العربية، وبداية تصحيح في المواقف الدولية، ولم تعد الخارطة كما كانت، لم تعد أميركا في عهد ترمب قيادة العالم، هناك تغيير كبير في صراع القوى، أينما ضبط ترامب رأسه فلا يجد سوى الصفعات والإهانات والإشارات الخاسرة، وأول من يتوجب عليه أن يدرك هذه الحقيقة الكبرى هم العرب في هذه المنطقة الهامة جدا من العالم، نحن لا نعتدي، لكن لن نتنازل عن حقوقنا وثوابتنا التي اعتبرها ترامب انه عفا عليها الزمن، لا يا ترامب، لا يا نتنياهو، الصراع مفتوح ومستمر، والنصر له الف وعد مستحق.
يجب أن نرتّب أولوياتنا بدقة، ونثق بمعطياتنا، أنّنا على أرضنا المتشبثين بها نشكل طليعة الحضور.