يبدو أن البعض لا يجيد شيئا غير الاصطياد في الماء العكر. فقد استغلت بعض الأقلام في الآونة الأخيرة ملابسات التحول في موقف هندوراس من القضية الفلسطينية وانحيازها لصالح إسرائيل، من أجل الهجوم على وزارة الخارجية والمغتربين والانتقاص من الدور البطولي الذي تلعبه الدبلوماسية الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس في وجه التغول الأميركي الإسرائيلي على القضية الفلسطينية وحقوق شعبنا. وللأسف، حاول البعض إعفاء هندوراس من المسؤولية الكاملة والمباشرة عن هذا الانحياز للاحتلال وخرقها للقانون الدولي والشرعية الدولية وقراراتها عبر تحويل الدبلوماسية الفلسطينية إلى ضحية من السهل الانقضاض عليها ومهاجمتها تحت شعار "الإعصار الذي يتربص بها". فوجئت أيضا من "سطحية" البعض في تعاملهم مع قضايا سياسية شائكة دون الدراية الكافية في خفاياها وتفاصيلها وحجم الجهد السياسي المبذول في كواليسها، وكان الأجدر بهؤلاء التريث قبل الخوض في قضايا استراتيجية حساسة، والتوجه للاستفسار والحصول على عديد المعلومات والتفاصيل للارتكاز عليها إن أرادوا سواء توجيه انتقاد لوزارة الخارجية وبناء تحليل موضوعي لتطورات العمل الدبلوماسي الفلسطيني في هذه القضية، أو الإشادة بما أنجزته الدبلوماسية الفلسطينية في المحافل الدولية. إن عدم التريث في هذا السياق يندرج في إطار ديماغوجية نفعية لا يمكن تصنيفها تحت "الحرص" أو النقد الإيجابي البناء. والغريب في الأمر أن بعض الأقلام تعاملت مع وزارة الخارجية وكأنها هي التي تصنع السياسة وتوجهات العمل الدبلوماسي، علما بأنها جهة تنفيذية لها هامش واسع من الإبداع والمبادرات في تنفيذ السياسة والتوجهات التي يقررها الرئيس محمود عباس. كنا نأمل أن تبدي تلك الجهات شيئا من الدراية بذلك قبل الخوض في رسم السياسات الخارجية، وقبل تنصيب نفسها ووصيةً على أداء وزارة الخارجية والمغتربين. وإذا كانت الدبلوماسية الفلسطينية قد اختارت طريق الدبلوماسية الناعمة، فهذا نابع بالدرجة الأولى من الخيار الفلسطيني في هذه المرحلة المربكة وخيارات رئيسها أبو مازن الذي يتحلى بحكمة واضحة مشهوداً لها. إن الدبلوماسية الناعمة التي تم التهكم عليها هي سياسة الرئيس أبو مازن التي وصفها ليبرمان بأنها إرهاب دبلوماسي يمارسه الرئيس محمود عباس "أبو مازن" ضد الدولة العبرية. لقد استطاعت الدبلوماسية المدروسة استصدار العديد من القرارات الدولية المؤيدة للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.
 ولا أدري بأي مقياس يزن البعض الإنجازات الدبلوماسية للخارجية الفلسطينية ليضع كل إنجازاتها خلال العقد المنصرم في كفة ويضع قضية انحياز الهندوراس لإسرائيل في كفة أخرى؟ ووضع شبه الإجماع الدولي الذي حققته الدبلوماسية الفلسطينية على رفض قرار ترامب بشان القدس ونقل سفارة بلادها إليها مقابل قرار هندوراس المشؤوم؟ هل من المنطق أن تقاس عشرات بل مئات الانتصارات الدبلوماسية طوال عقد وتساوى كلها بقضية الهندوراس ؟ ألا ساء ما يحكمون!! لقد فوجئت بالهجوم على شخص وزير الخارجية وتحميله مسؤولية موقف الهندوراس، ووصف الوزير بأنه من صِنف الحمائم فيما تتطلب المرحلة السياسية دخول الصقور!!. أود أن أسأل هل تعتقد أن السلطة نفسها ورئيسها قد اختارت خيار الصقور؟  وهل كانت ستحقق كل هذا النجاح الدبلوماسي الدولي لو انتهجت سياسة الصقور؟. من المعروف لكل مطلع على الشأن الفلسطيني أن السياسة الواعية والذكية للسلطة ورئيسها هي التي سحبت البساط من تحت الاحتلال الإسرائيلي والدعم الأمريكي اللامحدود له، واستطاعت تعرية وإحراج السياسة الإسرائيلية القائمة على ابتلاع الأراضي والقمع وتخريب عملية السلام. لماذا يريدنا البعض أن نتخلى عن هذه السياسة والعمل بما تريده اسرائيل لكي تشوه صورة الفلسطيني في العالم بوصفه ارهابياً رافضا للسلام ومنحازا للعنف؟ هل هذه هي الدبلوماسية يا جماعة؟ ومن أين اخترعتم ما اسميتموه بالدبلوماسية التنظيمية كبديل عن دبلوماسية الدولة التي تكرس الشخصية القانونية الدولية لدولة فلسطين في كافة المحافل، ريثما يتم تجسيد السيادة الفلسطينية على الأرض؟. هكذا بسطر واحد ينحتون مصطلحاً جديداً نعتقد أنه يضر بمصالح شعبنا ولا يوجد له ما يسنده في القانون الدولي ومبادئ العمل الدبلوماسي ومرتكزات لعلاقات الدولية، ويطالبون بإزاحة وزير الخارجية حتى ينفذوا مثل هذا المفهوم السطحي. هذه مغامرة دونكيشوتية خلفها ما خلفها وليس لها اي تعريف، وتندرج في اطار الحسابات والمصالح الشخصية فقط.
أرى أن مفاهيم مثل صقور، حمائم، دبلوماسية مقاتلة، اعادة هيكلة، دبلوماسية تنظيمية، غريبة تماماً عن مفهوم الدبلوماسية، وجاء استخدامها هنا في سياق الحديث عن الدبلوماسية الفلسطينية بهدف تقزيم الإنجازات التي تحققت وتضخيم الإخفاقات التي تشكل سمة من سمات أية مسيرة ناجحة في العمل السياسي والدبلوماسي، وكأن هؤلاء كانوا ينتظرون قراراً مثل قرار هندوراس للإفصاح عن حكمهم المسبق المبيّت ضد الدبلوماسية الفلسطينية ونجاحاتها,
تناسى البعض الحقبة التي يمر بها العالم في الوقت الحاضر والمتمثلة بتقدم قوى اليمين في عدد من دول العالم ونهوض التيارات الشعبوية اليمينية والتي كان أهمها فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية مدعوما بأوسع تيار شعبوي يميني آخذ بالاتساع يوما بعد يوم. وفيما يخص نقل سفارة هندوراس أو تدشين مكتب تجاري يكتسي صفة دبلوماسية، فقد كان مثل هذا الحدث متوقعا بعد اللقاء الثلاثي الذي اخذ مكانه في يناير من هذا العام بين وزير الخارجية الأمريكي ونتنياهو ورئيس الهندوراس هرنانديز في برازيليا بمناسبة تنصيب اليميني بولسونارو رئيسا للبرازيل. ولا أدري كيف يتحمل المالكي وطاقمه مسؤولية الانزياحات نحو اليمين على الصعيد العالمي. وهل يتحملون أيضا صعود التيار اليميني في الهند؟. على العموم فإن التحولات اليمينية في العالم لا تسير لصالح القضية الفلسطينية، لأنها تحولات يعقبها تحالفات مع تيار ترامب اليميني الذي يسخر كل الطاقات لخدمة خطوته المستهجنة بتكريس القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، علماً بأن الدبلوماسية الفلسطينية بذلت كل ما تستطيع من جهود مع هندوراس ورئيسها لثنيه عن تلك الخطوة المشؤومة، ولدى وزارة الخارجية توثيق كامل لتحركاتها في هذا المجال. وبعد كل هذا الاستطراد نود أن نسأل دعاة استدعاء الصقور: هل أن الوضع العربي المتراجع والمعروف للجميع يشجع على استدعاء الصقور؟ وما هي أدوات الضغط العربي والإسلامي التي يدعون لاستعمالها لمعاقبة الدول التي تسير في نهج ترامب – نتنياهو ؟ وما هو المقصود بتغليظ العقوبات ضد الدول المارقة؟؟ يبدو أن هؤلاء القوم يطلقون الكلام على عواهنه دون أدنى دراية بمستجدات الوضع العربي والاقليمي والدولي.
إنّ العمل الدبلوماسي يعتمد على الخطط البعيدة المدى وتراكم الخبرات والإنجازات، وهو ما تمارسه وزارة الخارجية بشكل دائم وتودع خططتها في مجلس الوزراء باستمرار. إن ما أنجزته الدبلوماسية الفلسطينية بتعليمات وتوجيهات مباشرة ومتواصلة من الرئيس محمود عباس أصبح مكرسا وراسخا وواضحاً. ان من أوجه الدبلوماسية الناعمة التي رسختها الخارجية الفلسطينية ما يعرف ب "بيكا"، والتي هي اختصار للوكالة الفلسطينية للتعاون الدولي والتي تعتبر اهم اداة من ادوات الدبلوماسية العامة التي نوليها كل اهتمام،  لدورها المتميز في عدة دول عبر تأمين الخبرات لتنفيذ المشاريع الهندسية والطبية والزراعية وغيرها.
إن عملي في وزارة الخارجية وانخراطي في العمل الدبلوماسي عن قرب مكنني من التعرف على حجم الجهد الكبير الذي يضطلع به وزير الخارجية والمغتربين د. رياض المالكي والطاقم الكفؤ لوزارة الخارجية والسفارات، والذي جعله موضع ثقة من قبل الرئيس.
 لقد عشت عن كثب ما يمكن نعته بأكبر نصر دبلوماسي فلسطيني في العام 2012 عندما نجحت الدبلوماسية الفلسطينية الناعمة والتي يقف على رأسها الرئيس باستصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بالاعتراف بفلسطين كدولة مراقب غير عضو وبإجماع 138 دولة مقابل رفض 9 أعضاء فقط. وما يحسب للوزير الحالي أنه كان قد بنى توقعاته على حسابات دقيقة قبل طرح القرار للتصويت. حيث صرَّح المالكي بأن فلسطين ستحصل على 138 صوتا، وهذا ما حصل بالفعل، وقد ظل يقدم تطمينات للرئيس طوال عملية الاقتراع المرتقبة في حينه. وأتساءل هنا إلّا يعتبر وقوف ما يقارب ١٤٠ دولة مع الحق الفلسطيني نصراً للدبلوماسية الفلسطينية؟؟ هذا هو ايضاً حال التصويتات المتواصلة في مجلس الأمن الدولي حيث تحصل فلسطين ومشاريع قراراتها على تأييد 14 عضواً من أعضاء مجلس الأمن البالغ عددهم   15عضوا ومعارضة الولايات المتحدة التي لا تفوت فرصة الا وتعارض بها القرات الخاصة بتطلعات الشعب الفلسطيني بالحرية الاستقلال وتنحاز لصالح دولة الاحتلال ومصالحها .
أعتقد أن الدبلوماسية الفلسطينية كانت خلال العقد المنصرم من أكثر الجوانب إشراقا في أداء السلطة الوطنية الفلسطينية. وأنا على يقين أن وزارة الخارجية والمغتربين وطاقمها هما الأقدر على مواجهة الإخفاقات الراهنة وإيقاف التداعيات الخطيرة المتسببة من صعود اليمين على مستوى العالم. وأُنهي بالقول: اطمئنوا... الدبلوماسية الفلسطينية بخير ما دام سيادة الرئيس أبو مازن يرعاها ويوجهها