في خضم الصراع المحتدم على الجبهة الفلسطينية الصهيونية، لم تألُ مؤسسات دولة الاستعمار الإسرائيلية السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية والدينية جهدا لبلوغ هدف تفتيت نسيج الشعب الفلسطيني الوطني والاجتماعي، وخلق هويات قزمية، ومصالح وأجندات جهوية ودينية، ونشر وتعميم وإشاعة وترويج بضاعة فاسدة لتعميق الفتنة في أوساط الشعب المكلوم بهدف بلوغ التصفية الكلية للقضية الفلسطينية، والتحلل من دمها، وتحميل تباعات المسؤولية على عاتق القوى المأجورة والعميلة والمتساوقة مع المشروع الكولونيالي الصهيوني، الهادف لبناء "دولة إسرائيل الكاملة" على كل فلسطين التاريخية، ونفي كلي لحق تقرير المصير لأبناء الشعب الفلسطيني، وهذا ما أكده "قانون أساس القومية للدولة اليهودية"، وهو أحد اهم أهداف ائتلاف اليمين المتطرف بزعامة نتنياهو، الذي يواصل الليل مع النهار لبلوغ بناء الدولة اليهودية الصهيونية لدخول التاريخ الصهيوني، باعتباره الرمز الصهيوني الأول في العصر الحديث الباني للدولة "الحلم"، والقاضي والمدمر والمصفي للوجود الفلسطيني في ارض الوطن الفلسطيني، الذي لا وطن لهم غيره.
ومن يعود لتاريخ الصراع الصهيوني الفلسطيني العربي منذ ما قبل العام 1948، وما بعد قيام القاعدة المادية للمشروع الصهيوني (دولة إسرائيل) لاحظ أن المؤسسات الصهيونية قسمت الجزء المتجذر في ارض وطنه الأم (داخل أراضي الـ48) من ابناء الشعب الفلسطيني على أساس ديني ومذهبي وطائفي، ففصلت بني معروف (الدروز) والبدو عن باقي الشعب، وفصلت اتباع الديانة المسيحية عن اتباع الديانة الإسلامية، ووضعت الأسافين، والدسائس والفتن بينهم، ونشرت النعرات الجهوية والعائلية فيما بينهم، وخلقت قوى تابعة وعميلة متعاونة معها لمضاعفة عملية التمزيق، وأنشأت أحزابا وقوى بأسماء كبيرة، وشعارات وهمية لتوسيع الهوة بين أبناء الشعب الواحد، التي تجلت بالسماح بخلق وتأسيس الأحزاب الدينية في التجمعين المركزيين في داخل الجليل والمثلث والنقب والمدن المحتلّة، وفي الأراضي المحتلة عام 1967، التي توجت بالانقلاب الأسود على الشرعية الوطنية من قبل جماعة الإخوان المسلمين (حركة حماس) عملاء الغرب الاستعماري، والرديف الطبيعي لمشروع الحركة الصهيونية أواسط حزيران / يونيو 2007، الذي شكل رأس حربة للمشروع الأميركي الإسرائيلي لتمزيق كل دول وشعوب الأمة العربية وباسم "المقاومة" و"التغيير" و"الإسلام المعتدل"، الذي انتج كل الجماعات التكفيرية، التي عبثت بشعوب الأمة العربية، ومازالت تعبث حتى الآن.
وبالعودة للمشهد الفلسطيني في داخل الداخل (إسرائيل الاستعمارية) لاحظنا في الآونة الأخيرة صعود نغمة غير بريئة في أوساط الشعب وعشية الانتخابات الإسرائيلية القادمة في 17 أيلول/ سبتمبر 2019، عنوانها، أن نواب القائمة المشتركة لم يفعلوا شيئا للجماهير الفلسطينية، وركزوا على المسائل السياسية، ولم يعيروا الجماهير ومصالحها الحياتية الاهتمام المطلوب، وغابت عن أجندتهم المخططات الهيكلية، وعمليات هدم البيوت، وانتشار الفوضى والسلاح وعمليات القتل، وغياب الأمن والأمان في المدن والبلدات والقرى الفلسطينية في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة. ورغم أنّ جزءًا من الملاحظات الجماهيرية موضوعية، وموجودة، ولكن بروزها بقوة في هذه اللحظة لم يكن صدفة، إنّما بهدف الترويج لبضاعة مشروخة وعبثية تستهدف تعميق التمزق داخل الجماهير الفلسطينية، وإبعادها عن قواها وممثليها السياسيين. كما أُريدَ من ذلك، فصل القضايا السياسية عن القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتضخيم الحسابات الضيقة على الحساب الوطني العام.
يتناسى البعض من أبناء الشعب الفلسطيني الدور المخابراتي المؤسساتي للحركة الصهيونية في كل ما أصابهم ويصيبهم، وتناسوا أنّ المسألة السياسية كانت وستبقى محور الرحى، والعنوان الأساسي لخلق شرط سياسي وقانوني واقتصادي واجتماعي مغاير لما هو عليه الوضع الآن، وهو يصب في مصلحتهم الخاصة والعامة، لان محاربة صفقة القرن، وإسقاط "قانون أساس القومية"، يعني بشكل مباشر إسقاطًا لخيار المشروع الصهيوني الأشمل والأوسع، ويعيد الاعتبار لمكانتهم كأقلية قومية صاحبة مصالح وحقوق سياسية وقانونية واقتصادية وثقافية، لا يستطيع الحاكم الصهيوني أيًّا كانت مرجعيته تجاهلها، أو تغييب مكانتها ودورها في المجتمع، وبالمقابل تكون دولة فلسطين المستقلة والسيدة وعاصمتها القدس الشرقية قائمة على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، وتشكل سندا لكفاحهم السياسي والمطلبي، ورديفا قويا لحماية مصالحهم الخاصة والعامة.
إذًا على الفلسطينيين في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة تعزيز كفاحهم، وعدم السماح لأحد بتجزئته، والتغلب على كل الهنات والخروقات، ونقاط الضعف الموجودة في أوساط القوى المشكلة للقائمة المشتركة. والانتباه إلى عملية الترابط الجدلي بين مصالحهم الحياتية، ومصالح الشعب السياسية، وهي علاقة لا تنفصم عراها، لأنّها جزء من المصالح الأعم للشعب العربي الفلسطيني في كل بقاع الأرض.
لا تُجزِّئوا نضالَكُم
05-09-2019
مشاهدة: 209
عمر حلمي الغول
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها