لا نريد أن نخوض بطبيعة الرئيس الأميركي ترمب الشخصية وكونه رجل أعمال أو لا بطريقة عقد صفقاته السياسية أو في مجال الأعمال، فهذا أمر نأخذه بالاعتبار، ولكن من غير المقبول الرضوخ لهذه الطبيعة، أو مجاراتها بالمنطق الذي يعلنه، أو أن يترك له المجال في تقرير مصير الشعوب والدول، وكأنه يقرر مصير إحدى شركاته أو شركات أصدقائه.

والرئيس ترمب تحدث عن قطاع غزة بمنطق رجال الأعمال، والاستثمار، ولم ير أنها قضية سياسية، وقضية شعب يريد أن يحترم العالم إرادته وحقه بتقرير المصير، كما أنه يتحدث كما وكأن غزة قطعة أرض مجهولة الهوية وليس لها مالك، أو أنها ليست جزءًا من الكيانية الوطنية الفلسطينية والدولة الفلسطينية المعترف بها من 149 دولة. 

ما قاله ترمب بصراحة أن الولايات المتحدة ستضع يدها على القطاع وتتملكه لفترة طويلة، بالضبط كأنه يتحدث عن شركة.
هذه الطبيعة لا يمكن مواجهتها بالشعارات وحدها، وبمقولة أن الشعب الفلسطيني لن يرحل، لأنه يمكن أن يرحلوه بالقوة أو بالحصار المشدد، من الضرورة أن تكون المواجهة بسياسة عملية، تبدأ بموقف عربي فلسطيني حازم أنه لن يقبل بالتهجير، وأن يتزامن هذا الموقف بإعلان من قبل حماس بأنها ستحل جناحها العسكري فورًا وتتحول إلى جسم سياسي، وأن السلطة الوطنية الفلسطينية تمثلها ومن دون أي مواربة.

الخطوة الثانية أن يعلن العرب أنهم سيتولون بمالهم وشركاتهم إعادة بناء قطاع غزة، وأنهم يمتلكون رؤية سياسية واقتصادية للقطاع وفلسطين تنسجم مع السلام تمامًا ولكن هذا السلام لن يكون حقيقيًا بدون دولة فلسطينية وأنهم بعد ذلك يمكن أن يسمحوا بالشراكة مع أي دولة لتحقيق ذلك.

ومن جانب السلطة الوطنية الفلسطينية وهي ترفض عرض ترمب بالانتحار الجماعي للشعب الفلسطيني، عليها أن تكون حازمة بما كانت تردده طوال الوقت منذ تأسيسها، في مقولة سلاح واحد وقانون واحد، لأن في هذا الحزم مصلحة وطنية قبل أن تكون مطلبًا أو شرطًا خارحيًا، وأن تقوم بالفعل بإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية، وأن تتحول الفصائل إلى أحزاب سياسية. ومن الضرورة أن يكون كل ذلك في سياق جدي يقود إلى الدولة، بمعنى أن تمتلك السلطة رؤية سياسية وأمنية وقانونية محكمة لطبيعة الدولة الفلسطينية، التي ستكون إيجابية في بيئة من السلام الشامل.

هناك طريق يمكن من خلاله مواجهة سياسة رجل الأعمال "take it or leave it"، أو تحويل السياسة الدولية وكأنها فقط صفقات تجارية.

الأمر يعتمد على أن يكون الفلسطينيون والعرب موحدين، ليس فقط حول شعارات وإنما حول سياسة عملية، تفشل التهجير وتمنع الضم، فما يسعى إليه ترمب ونتنياهو هو التوسع بالجغرافيا وبالضم والتوسع بالتطبيع، وهذا أمر لا يمكن قبوله.