أعلن يوم الخميس الماضي الموافق (5/9/2019) جايسون غرينبلات استقالته من مهامه في فريق الرئيس ترامب المكّلف بالملف الفلسطيني الإسرائيلي، أو بتعبير أدق تمرير تصفية القضية الفلسطينية وعنوانها صفقة القرن. وأشار إلى انه سيغادر بعد نشر الشقِّ السياسي لصفقة القرن المشؤومة. وكان مستشار الرئيس الأميركي منذ البداية، قال انه سيعمل ضمن الفريق مدة عامين. بمعنى آخر لم تكن استقالته نتاج خلاف مع سيد البيت الأبيض، ولا بسبب خلاف مع أعضاء فريقه برئاسة كوشنير، وإنَّما لارتباط سابق بعائلته وعمله. وما أشارت له التعليقات الخاصة بالمستقيل، أو رئيسه، أو فريقه، أو رئيس حكومة إسرائيل ووزير خارجيته أكدت ما جاء أعلاه.
إذا غرينبلات لم يستقل إلّا بعد أن أسهم بدوره التخريبي في عملية السلام، ولن يغادر قبل أن يعلن الرئيس الأفنجليكاني وصفته السياسية لتصفية القضية الفلسطينية، وتعزيز مكانة الدولة الإسرائيلية الاستعمارية. وبعد أن أكد ولاءه للحركة الصهيونية ومشروعها الاستعماري، وللتيار المسيحي المتصهين المتماهي مع عملية التطهير العرقي لأرض فلسطين من سكانها الأصليين، أبناء الشعب الفلسطيني.
ويمكن تلخيص عناوين التخريب، التي تلطخت أياديه بها بالتالي: أولا- اعترافه واعتراف فريقه، هو من دفع بالرئيس ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل في 6/12/2017؛ ثانيا- وهو شريك في نقل السفارة الأميركية من تل ابيب للقدس في مايو/ أيار 2018؛ ثالثًا- وكان عنصر هدم واضحا لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وأحد الذين شحنوا الرئيس النرجسي لإغلاق باب المساعدات المالية الأميركية للوكالة ولموازنة السلطة الوطنية الفلسطينية؛ رابعا- احد الذين شيطنوا خيار السلام، وضربوا عن سابق تصميم وإصرار خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967؛ خامسًا- كان رأس حربة مع فريدمان، السفير الأميركي في إسرائيل في الإعلان عن حملات التبشير الاستعمارية الإسرائيلية لمطاردة الحقوق والمصالح الفلسطينية؛ سادسا- كان حاملا معول الهدم المتواصل للعلاقات البينية والأخوية الفلسطينية العربية، ومفتعل الصراعات والفتن البينية بين أبناء الشعب الفلسطيني، حيث حاول أكثر من مرة الترويج والتلميع لعملاء دولة الاستعمار الإسرائيلية في ورشة البحرين وقبلها وبعدها، وحتى لقيادات الانقلاب الأسود، رغم انه كان يغطي عملية الترويج للانقلاب الحمساوي بعبارات تبدو ناقدة أو "ناقمة"، والحقيقة غير ذلك تماما؛ سابعا- كانت بصماته السوداء دامغة ومثبتة وجلية في كل المصائب التي حلت بالشعب الفلسطيني منذ تولى الرئيس دونالد ترامب مهامه مطلع عام 2017. ولا داعي لسرد كل موبقات وعمليات التخريب، التي روج لها، وبشر بها، ونفذها الأميركي الصهيوني البشع.
ويعتبر غرينبلات الموظف الأول في إدارة ترامب، الذي يستقيل دون صراع، أو خلاف مع الرئيس الأميركي المقاول. وتأتي استقالته بالاتفاق، وعلى أرضية الشراكة، ومواصلة العمل مع أركان الإدارة، وحتى وهو خارج نطاق الوظيفة الرسمية، لأنه ارتكب ما ارتكب من جرائم بحق الشعب الفلسطيني من موقع الانتماء للمشروع الكولونيالي الصهيوني، ومن موقع زواج المصالح بين الحركة الصهيونية والتيار الأفنجليكاني المسيحي المتصهين، الذي يقوده الرئيس ترامب، ونائب الرئيس مايك بنس، والرامي لتحقيق أكثر من هدف، أولا- تصفية القضية الفلسطينية؛ ثانيًا- تغيير أولويات مبادرة السلام العربية، وإعطاء الاعتراف بإسرائيل، وتطبيع العلاقة معها الأولوية على حساب إلغاء الانسحاب والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، وعدم ضمان أي عودة للاجئين الفلسطينيين، بل تصفية حقهم التاريخي؛ ثالثا- تغيير خريطة التحالفات في إقليم الشرق الأوسط الجديد، ونقل إسرائيل من مكانة الدولة المعادية إلى الدولة الحليفة والصديقة لأهل النظام الرسمي العربي؛ رابعًا- العمل وفق خطة منهجية لنهب ثروات وأموال وكفاءات العرب، وإبقائهم في دوامة الصراعات البينية، ومحل ابتزاز رخيص؛ خامسا- تغيير الخريطة الجيو بولتيكية لدول الشرق العربي وفق المنظومة السياسية الأمنية والاقتصادية الاستراتيجية للولايات المتحدة ودولة الاستعمار الإسرائيلية وعلى حساب العرب جميعًا.
كان جايسون غرينبلات عنصرًا أساسيًّا من اللعنة الأميركية، التي ضربت الشعب الفلسطيني، وسيبقى دوما كذلك. وبالتالي حتى أكون منطقيا وواقعيًّا، فإنَّ استقالته لا تعتبر إنجازًا فلسطينيًّا. الإنجاز الفلسطيني يتمثّل في مواصلة الدفاع عن الحقوق والمصالح الوطنية، وفي تقويض صفقة القرن المشؤومة، وإفشال كل المخطط الصهيوأميركي في المنطقة، وليس في فلسطين فقط.
غرينبلات ودوره التخريبي
07-09-2019
مشاهدة: 226
عمر حلمي الغول
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها