إسراء غريب قضية تخطت حدود الوطن، فأصوات الاستغاثة والألم التي صدحت بها في المشفى قبل أن تخرج زفراتها الأخيرة وصلت إلى ما لم يتوقعه قاتلوها.
بشاعة الجريمة التي أودت بحياتها بالتأكيد لم تكن الأولى وقد لا تكون الأخيرة لفتيات، فمثل هذه الجرائم التي يطلق عليها تجنيا "جرائم الشرف" لا تقتصر على فلسطين وحدها وإنّما تمتد إلى كثير من الدول العربية، فيما الجرائم بحق المرأة في الدول الأجنبية فتأخذ أشكالاً مختلفة ومتعددة.
لكن لماذا هذه الجريمة أخذت كل هذا الحجم من الاهتمام والمتابعة، وتحولت إلى قضية رأي عام دون غيرها من الجرائم التي وقعت بحق كثير من النساء؟ هل بسبب أن قتلها كان على مراحل، بدءًا من وشاية ابنة عمها أن صحت، مرورا بالمشعوذات من "جن" و "عفاريت"، وصولا إلى انضمام شقيقها العائد من كندا؟ أم أن تقاعس الطواقم الطبية في إنقاذها وعدم تدخلها أثناء صراخها في المشفى؟ أم أن غياب تدخل الشرطة التي يتواجد أفرادها في جميع المشافي فيما كان يجري في ذلك المشفى والاستجابة لاستغاثتها وحمايتها عندما كانت تصرخ؟
ربما يكون الجواب كل ذلك، لكن المؤكد أن رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين طرقت آذانهم صرخات إسراء هم الذين تمكنوا من تحريك القضية وجعلها قضية رأي عام، الأمر الذي جعل حظ قتلة إسراء عاثرا بعد أن تخطت قضيتها حدود الوطن، مثلما كان أيضا حظ المؤسسة الرسمية التي تفاعلت وتجاوبت بمستويات مختلفة وبدأت التحرك الفوري خلافا لمرات سابقة كنا نشهد فيها جرائم مماثلة من قتل النساء اللواتي وصل عددهن إلى 85 امرأة منذ عام 2015 تحت عنوان "الشرف".
هذا الأمر وان كان يحسب للمؤسسة الرسمية هذه المرة والتي ينتظر منها الخروج بنتائج سريعة لتحقيقاتها، إلا انه يعريها ويكشف ضعفها وترددها فيما كان يقع سابقا من جرائم بحق النساء اللواتي وقعن ضحية تقاعس الأجهزة الرسمية وعدم إكمال عملها بالشكل اللازم بحجة غياب القوانين الرادعة التي يجب الاستناد عليها، كما يكشف أيضا عن ثقافة التمييز ضد النساء، وإصرار شريحة واسعة في المجتمع على التمسك بسلطة الذكورية من منطلق مفهوم خاطئ للآية الكريمة "الرجال قوامون على النساء"، فالقوامة التي ذكرها الله عز وجل هنا كما يرى الشيخ الشعراوي رحمه الله تتحدث عن الجهد والعمل خدمة للمرأة أي أن الرجل قائم على أمورها ومصلحتها وتأمينها لها وليس تفضيله عليها.
اليوم إسراء التي رحلت مظلومة تنتصر لكل النساء اللواتي وقعن ضحية التعصب والجهل بهذا التعاطف والاستنكار الواسع، فهل يمكن أن تكون أيضًا دافعًا لصحوة مجتمعية واستنهاض مؤسساتي تجاه قضايا المرأة وحقوقهن عبر توفير الحماية القانونية والأمنية لهن؟