صادف الثلاثاء الماضي؛ انتهاء مؤتمر "هرتسيليا" من أعمال دورته التاسعة عشرة والتي استمرَّت لمدّة ثلاثة أيام، ويعتبر هذا المؤتمر بمثابة العقل الجمعي "للكيان الصهيوني"؛ حيثُ يناقش سنويًّا أهم القضايا التي تُهدّد الأمن القومي من وجهة النظر الصهيونية، ويُحدِّد علاقاتها مع دول الجوار بشكل خاص.
وقد طرحَ المؤتمرُ في هذهِ الدورة ثلاثةَ أسئلةٍ جوهريٍة على بساط البحث هذا العام، تعتبرُ هي أهم المحاور أو المرتكزات التي يسعى منظّرو الأمن القومي إلى إيجاد الردود الأنسب لها، وقد تمَّت صياغتها بالشكل التالي:
1). هل تنتصر "إسرائيل" في الحرب القادمة؟
2). هل توجد تصدعات في الإجماع الأمريكي حول دعم "إسرائيل"؟
3). هل تجاوزنا نقطة اللاعودة نحو قيام الدولة الواحدة؟
ومن الجدير بالذكر أنَّ المؤتمر حينما ناقش التحديات الداخلية التي تواجه "المجتمع الإسرائيلي"، ناقش مسألتين غاية في الأهمية؛ الأولى تركّزت حول إجابة السؤال؛ هل انتهى عهد دولة القانون والديمقراطية في "إسرائيل"؟ بينما كانت النقطة الثانية تناقش كيفية يمكن مواجهة الشروخ الداخلية بين الإسرائيليين؟
ولعل من أبرز المتداخلين في هذا المحور، البروفيسور أوريئيل رايخمان، رئيس ومؤسس معهد هرتسيليا، الذي حذَّر من "أنَّ المنظومة السياسية والحزبية الإسرائيلية تعيش حالة فوضى غير مسبوقة في تاريخ "الدولة"، مما سيترك آثاره السلبية في كل الجبهات: الداخلية والخارجية".
كما أنَّ "رؤوفين ريفلين" والذي يُعرف بلقب "الرئيس الحالي للكيان"، قال إنَّني "أخشى مثل كل المواطنين أن أحيا في دولة غير ديمقراطية، يجب على "الكنيست" أن يتفهّم هذه المخاوف".
ومن الملاحظ أنّه قد صادف صدور هذه الصرخات حول "الديمقراطية الإسرائيلية" من هذا المستوى السياسي في ذات الوقت الذي تفشت فيه مظاهر فوضى مباشرة وعنيفة في عمق "المجتمع الإسرائيلي" على خلفية مقتل أحد أفراد طائفة "الفلاشا"، "سولومون تيكا" قُبيل ساعات محدودة من عقد المؤتمر، على يد أحد أفراد "الشرطة الإسرائيلية" مما أدى إلى هذه الموجة العنيفة من الاحتجاجات ضد مظاهر العنصرية!
وعلى الرغم من المحاولات المستميتة لوقف هذه الاحتجاجات على مستويات عدة، إلا إنها آخذة في الاتساع لتشمل كافة المناطق.
وهذه ليست المرة الأولى التي ينظم "الفلاشا" مظاهراتهم احتجاجًا على التمييز العنصري الذي يواجهونه من قِبل حكومتهم، فقد شهدت "تل أبيب" اضطرابات مشابهة في العام 2015، ولكن ما يميزها هذه المرة أنها تأتي شاملة في كل أنحاء "الكيان".
ولعله جديراً بالملاحظة، أن العديد من أبناء "الفلاشا" الذين خرجوا إلى "الشوارع الإسرائيلية" هم أنفسهم الذين يُمثلون "العصا الغليظة" أو "أداة القمع" لدى "الاحتلال الإسرائيلي" ضد الفلسطينيين العُزل في كافة أرجاء فلسطين المحتلة؛ في القدس، والضفة وحدود قطاع غزة، وضد أهلنا العرب الفلسطينيين في الداخل!
فهل يمكن اعتبار "احتجاجات الفلاشا" "نيران مرتدة" لما أعدهم الاحتلال من أجله؟!
أم أن هذه الاحتجاجات هي الرد الأولي على "قانون القومية" الذي يُجسد نظام "الأبارتيد" على الأرض، ويخلق فئة محدودة ومميزة داخل "المجتمع الإسرائيلي" من "المستوطنين" و "المتطرفين" لتنفرد في الحكم والسلطة وبقوة السلاح ـ لأنهم فوق القانون!
أم أنَّ "المجتمع الإسرائيلي" نفسه بات ملزمًا بأن يدفع ثمنَ التدخُّل السافر لـ "ترامب" وفريقه في الانتخابات الإسرائيلية لمصلحة فريق محدّد يتبادل المصالح مع "قاطن البيت الأبيض"، ممَّا أصاب العديد من القوى والأحزاب السياسية بالشلل؟!
المستوى السياسي الأول والمفكرين في مراكز الأبحاث يصرخون من أجل "الديمقراطية المسفوحة" في "تل أبيب"، فهل ستسمع أوروبا من خلال هذه الصرخات صدق المطالب المشروعة للفلسطينيين المطالبة بالحرية وتقرير المصير؟! أم أنّها ستظل رهينة "الذنب النازي" مدعية بأنها تدافع عن "واحة الديمقراطية" الوحيدة في الشرق الأوسط؟!
هل أدرك عرّابو المنامة أنهم خسروا كثيرًا في رهانهم، وأنَّ الفوضى ستحل قريبًا بديارهم؟!
وأنَّهم قد لا يدركوا الفرصة للمتع المحرمة في "واحة الديمقراطية" التي تحترق!
هل نشهد انهيار "واحة الديمقراطية"؟
06-07-2019
مشاهدة: 194
أحمد الغندور
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها