يصعب على أيِّ مشروع سياسي أن يحيا في تربتَين منفصلتَين فكريًّا وأيديولوجيّا، وبالرغم من أنَّ اختلافنا مع "حماس" يبدو سياسيًّا في ظاهر الأمر، فإنَّه في الحقيقية خلافٌ جوهريٌّ وبنيويٌّ. فحركة "حماس" وُلِدَت في مهد الإخوان المسلمين، وترعرعت ونضجت في شرنقتهم، ولذلك ليس من السهل عليها أن تُغلِّب مصلحة القضية الفلسطينية على مصالح جماعة الإخوان المسلمين في العالم.

ومنذ انقلابها على الشرعية الفلسطينية أثَّرت سلبيًّا بأفعال سياسية وعسكرية مقصودة وممنهجة على مجمَل القضية الفلسطينية مُغلِّبةً مصلحة الإخوان على مصالح المشروع الوطني الفلسطيني الجامع، فكانت صاحبة المبادرة في انتهاك حرمة الدم الفلسطيني المقدس وطنيًّا، لصالح أجنداتهم الفكرية الأُمَمية، وتحالفاتهم الإقليمية والدولية.

المعضلة الحقيقية تنبع بالأساس من أنَّ الامتداد الإخواني في الأرض الفلسطينية المحتلة، والمتمثِّل بحركة "حماس"، يسعى بكل جهد لينفي وجود الآخر والمتمثِّل بحركة "فتح"، غير آبه بتقبُّل فكرة الشراكة السياسية التعدُّدية في إطار النظام السياسي الفلسطيني، ولو كان موقف "حماس" ومنهجها مغايرين لذلك، لأصبحت متمِّمًا للمشروع الوطني بدلاً من كونها ندًّا مُناكِفًا لـ"فتح" ونقطة اختراق سهلة من قِبَل المؤثّرين الإقليميين والعالميين. هذا الاختراق وهذه التدخلات تنبع بالأصل من أنَّ القضية الفلسطينية بحد ذاتها قضية مركزية ومحورية على المستويات كافّةً، وليس لكون "حماس" ومشروعها السياسي ظاهرة ناجحة. فـ"حماس" لا ترغب بتلبية الحد الأدنى من المتطلّبات اللازمة لاستعادة الوحدة الوطنية، والمتمثّلة بعدم رغبتها في التخلّي عن الحكم المنفرد لقطاع غزة وإعادته إلى النظام السياسي والإداري الفلسطيني، والاتفاق السياسي البرامجي ليصبح هذا الاتفاق برنامج الإجماع الوطني، غير آبهة بمعاناة أهلنا في غزة وغير مكترثة بتحقيق الحد الأدنى من متطلّبات العيش الكريم، فهي غير معنية بمصلحة شعبنا وخدمته.

وإن كانت "حماس" معنية بالمصلحة الوطنية فعليها أن توفِّر الإرادة السياسية الجدية وطرح كافة القضايا على طاولة المصالحة واستعادة الوحدة بما فيها حل حقيقي وجذري في القضايا الأمنية المتعلّقة بقطاع غزة وما هو الموقف من السلاح واستخدامه والقرار السياسي بشأنه، بدلاً من تكون الأولوية مختزلة من قبل "حماس" بطريقة استيعاب موظفيها الذين التحقوا بالعمل بعد الانقلاب الدموي على الشرعية الوطنية، وعلى "حماس" أن تتوقَّف عن استخدام آلام ومعاناة أهلنا في قطاع غزة كأداة سياسية لترسيخ وتثبيت مشروعها الفكري والسياسي الذي بات يشكل مصدر تهديد جدي لمستقبل المشروع الوطني برمته، وخاصّةً بعد ما بات يُثار من تسريبات بشأن صفقة القرن وآثارها المدمرة، فـ"حماس" أقرب إلى مشروعها الإخواني من هدفها الوطني، ومن الصعوبة بمكان التعاطي والتعايش مع من لا يتوافق مع أهدافك الوطنية السامية ذات الأولوية الفلسطينية، المستمدة من رحم المشروع الوطني لشعبنا وتطلُّعاته بالحرية والانعتاق من الاحتلال.