ليس أقبح، ولا أكثر إيلاماً، على الحلبة الدولية، من الغزو الأميركي أو من عربدة الأميركيين. وليس أوجع للنفس، من انتهاك أجواء وحدود بلد شقيق وقصفه بحمم من النيران. لكن مقتضى الصحو، لا مقتضى الغيبوبة، وضرورة مواجهة الحقائق، وليس دس الرؤوس في الرمال؛ يضطرنا الى تكرار التأكيد على أن ما يضاهي العربدة الأميركية قبحاً ويزيد عنها، هو أفاعيل وجرائم النظام المفعم غروراً، فيما هو خائب على صعيد كل التحديات الاستراتيجية الداخلية والخارجية. فعندما يفتك بالناس لإدامة حرمانهم من حقوقهم السياسية والاجتماعية، يرتسم الفارق الذي يرجح كفة أذاه على كفة أذى الغازي الأجنبي. فالأخير، حين يغزو، يفتك بغير أهله، وبأناس لا تجمعهم به أية صلة، بينما الثاني، لا يجرب قوة نيرانه إلا على شعبه، ولا تقصف قواته الجوية والصاروخية، سوى مدنه وقراه، فتردم عمائرها وبيوتها على رؤوس ساكنيها. ومن هنا شئنا أم أبينا بدأت المشكلة وتضاخمت فضائحها التاريخية.
ستقول لي، إن للأميركيين أهدافاً، وهم لا يشنون الحروب من أجل عيون وحقوق الإنسان. نقول لك ذلك وأكثر منه، لكننا نقول أيضاً إن الطغاة جلابون للغزاة، لذا فلندع جانباً التنظير حول الظاهرة الاستعمارية وأفكارنا عنها، ولنتناول دوافع الأميركيين الذين تركوا الإنسان السوري قرابة ثلاث سنين، يُذبح بالجملة، ثم فطنوا اليوم، أن ثمة إنساناً في سوريا تتوجب "حمايته". ذلك لأن أبسط ما يدحض التنظير الأسدي لمقاصد الغزو اللئيم، هو حيثيات التنظير المضاد، لغزو سابق، لتدمير العراق. فقد شارك النظام السوري في مجهودات المرحلة الأولى من ذلك الغزو، مع من يراهم اليوم "شياطين" عرباً وعجماً. كان ذلك الغزو، بالنسبة له وللإيرانيين "شروة" السلامة والربح، في العراق حين آلت الأمور الى حلفاء الأسد و"حزب الله". بل إن الرجل المعمم، الذي كانت صورته وهو يدخل الى مكتب بوش متأبطاً ملفاً سميكاً، وينظر من حوله على ما نقلت الكاميرات كثعلب خائن، نعاه حسن نصر الله عندما مات، قائلاً إن "الأمة فقدت عبد العزيز الحكيم، نبراساً ومنارة هدى". لذا فلا قيمة ولا معنى لكل التنظيرات الآن. فما حدث في العراق، جاء تحت عنوان أن هناك طاغية يحكم البلد، وزحفت القوى المحببة للأسد ونصر الله، على بطونها، أمام أعتاب البيت الأبيض و"10 داوننغ ستريت" في لندن، تتسول غزو بلادها. غير أن الشعب السوري، لم تعد له أرجل أو بطون، يزحف بها أو عليها، فلندع التنظيرات "الثورية" جانباً!
الأميركيون كانوا يعلمون، أن الأسد يدمر سوريا، وهذا ما كانوا يتمنونه، لذلك عملوا على إدامة أمد المقتلة والكسارة. ويعلم الأميركيون، أن معتوهي "القاعدة" سوف يتكاثفون في مسرح العمليات، ويصبحون صيداً سهلاً. وعرفوا أن ما بقي دون هدم أو إصابة، في سوريا، هو مخزون السلاح الكيماوي، وعندما يدمر بلد، دونما ظهور جليْ، لعدو خارجي، فإن السلاح الكيماوي لا يُعيد بناء بلد، ولا يُبقي نظاماً، ولا يثير إعجاب حليف، ولا يرضى ببقائه عدو متربص، لا سيما أن مثل هذا السلاح سيباع بالإوقية في السوق السوداء، وهنا مكمن الخطر!
في مؤتمره الصحفي، وعلى استحياء، نطق وليد المعلم بعبارة مقتبسة من قاموس تعبيرات محمد سعيد الصحاف المزلزلة. لوحظ أن أحداً من الجالسين، لم يندهش ولم تُبش أساريره، ولم يكترث. ربما طرأت على ذهن الحاضرين، براهين التجارب الأسدية مع القصف الإسرائيلي، وأحسوا أن ما يليق بالمعلم، كلما لاح خطر القصف الخارجي، هو المواء لا الزئير. فهذا الأخير، الصوت الطبيعي للأسود، وبمقدورهم تقليده في الاستقواء على الناس عندهم. وربما تذكروا الصحاف الذي كان يرعد، ثم يبتسم ساخراً من الأخطار، وذلك قبل أن نعرف أنه كان محقاً في سخريته، لأن الأخطار لم تطله شخصياً، رغم القبض عليه، ولم يذهب الى المشنقة، ولا الى الحكم بالإعدام كالسياسي طارق عزيز. اختار منفاه القريب بنفسه، ودونما إحساس بالغربة، وآوى الى رغد العيش!
الإسرائيليون، على الأرجح، هم الذين نبهوا الأميركيين الى أزوف وقت الحصاد، بعد أن اكتمل زرع النيران وأحرقت البيوت وتعالت أشجار الدخان، وباتت سوريا في حاجة الى عشرات السنين لتضميد جراحها. فالأميركيون يضبطون إيقاعهم مع إسرائيل. ونحن مثلما قالت العرب "نَرْقُمُ على الماء" بمعنى أن لا فائدة حين نقول، إنه مشروع شرق أوسط جديد. فإن كان كذلك، ماذا فعلنا لكي نحافظ على شرقنا الأوسط القديم؟. إن الطغاة جلابون للغزاة، ومن يفشل في تحديات التنمية والديموقراطية والأمن القومي والصراعات البينية، لا يحمي مرقد عنزة. وليت النظام يكتفي بخيباته وبسكوت الناس على آثامه. تراه يستعلي ويتجبر، ويخنق أنفاس عباد الله. إننا بصدد غزو متوقع، يرحب به السوريون المعنيون به من أعداء الأسد، وجزء كبير ممن يوالونه وتعبوا من الحال ولا يرون أفقاً. لذا سيكون الغزو المتوقع، ضرباً في النظام لا في البلد، لأن البلد دمر سلفاً. سيكون غزواً للاستحواذ على الكيمياوي، ولاصطياد "جبهة النصرة" وغزوا للموت المقيم!