بقلم/ د. سليم نزال

منطقتنا تعاني حاليا من حالة انحباس و انحطاط  حضاريين  قد لا يمكن مقارنته سوى فى القرن الثالث عشر، عندما انهارت تماما الدولة العباسية التي كانت  مفككة، واجتاح المغول البلاد  فى احد اهم عمليات التدمير الحضاري عبر التاريخ.
ما حصل ويحصل  فى الاونة الاخيرة هو شيء يشبه الوضع الذى حصل  فى القرن الثالث عشر.فقد تفككت دول المشرق الاساسية،  حيث تسيطر الان عصابات   متطرفة  تعيث  فى الارض فسادا  فى  لحظة تاريخية هامة من تاريخ المنطقة حيث بدا الحراك الشعبي باتجاه التغيير.
فمع دخول العالم و منطقتنا عصر العولمة بدا من الواضح التململ الذى باتت تعيشه بلادنا على وقع التغيرات الكبرى التي تحصل فى العالم.
 ولم يكن  بوسع الدول ذات الطابع السلطاني التكيف مع  هذه  التغيرات باتجاه تحديث الدولة  نحو  دولة الحرية والمواطنة. الامر الذى فسح المجال لقوى التطرف ان تستفيد من مناخات عولمة الاتصالات، ومن مناخ  انسداد افاق الدولة الوطنية، اضف للمؤامرات الخارجية. كل ذلك ساهم فى  جر  المنطقة الى فوضى عامة قوضت سلطة الدول، واوجدت  دويلات امر واقع  صغيرة تبنت اشد اشكال التطرف الديني، وراحت تمعن تدميرا فى البنية الحضارية لبلادنا ،سواء على المستوى المادي، عبر تدمير معالم حضارتنا المادية.او على مستوى  اعمال تطهير عرقي وثقافي يستهدف مكونات المشرق العربي .
 و لم يكن ظهور داعش سببا فى حالة الانحطاط هذه، بل نتيجة لانهيار عام فى منظومة القيم   المتعارف عليها منذ مئات السنين .ففكر التطرف وغير التطرف لا يأتي من السماء انما هو حصيلة ظروف وعوامل متعددة .
وبالرغم من ان بلاد المشرق انتجت عبر التاريخ  نوعا من وعي عام بضرورة التعايش المعبر عنها فى المثل الذى يقول (كل من على دينه الله يعينه)! ، لكن الحقيقة انه لم يتم تخليص الوعى العام فعليا   من ثقافة ديكتاتورية الحقيقة. والسبب فى اعتقادي انه  لم يحصل على المستوى التاريخي عملية كي حقيقيقة للوعي العربي.
هذا الكي كان مطلوبا من قبل الاحزاب العلمانية التي حكمت المشرق العربي لكنها للاسف لم تقم بذلك. لذا ظلت المسافة واسعة بين من يسعون لتطوير بلادنا مستندين على منطق الحداثة، وعلى تجارب وخبرات الشعوب التي سبقتنا فى هذا المضمار، وبين الوعي الشعبي الدفين بعودة الخلافة الخ من المسميات ذات الطابع الشمولي الديني والتي لا بد من الاعتراف انها تحمل  فى بعضها بذور ما نراه اليوم .
ان مشروع التصدي لفكر داعش واخواتها لا يمكن ان يتم الا من قبل قوى  تمثل نقيضا لهذا الفكر و هذا عمل تراكمي يحتاج لجهود جبارة  من قبل المؤمنين بثقافة التعايش وقبول الاخر والتسامح. وهو عمل لا بد من الشروع به اليوم قبل الغد.فمنطقتنا تعيش لحظات انهيار حضارية فى غاية الخطورة الامر الذى يستدعي جهودا جبارة لمواجهة كل ما ينتجه عصر  الانحطاط.