لم تستطع السلطة الليبية الجديدة التي انشئت على انقاض النظام السابق الذي كان يتزعمه العقيد معمر القذافي. السيطرة عن حالة التشظي والانشطارات الكبيرة التي اصابت جسم السلطة بكل أشكالها وادواتها من جيش وشرطة وقضاء وسلطات محلية، بعدما سيطرت عليها المليشيات  المتحاربة والمتصارعة على الرغم من انطلاقتها الموحدة في وجه نظام العقيد القذافي والتي ما ان انهت مهمتها في السيطرة على النظام الجديد حتى بدأت بصراعات دموية تناحرية أخذت طابع الصراع على النتائج وكأن اجراء الانتخابات "البرلمانية" التي اسفرت عن انشاء المجلس الوطني ولمرتين متتاليتين لم تستطع ان تسير بالشعب الليبي الى شاطئ الاستقرار السياسي والأمني، بل على العكس تحول هذا "البرلمان" الى مادة صراعية اضافية بين القوى المتناحرة والمتصارعة.
وفي هذا السياق تأتي موجة العنف الأخيرة والجديدة التي احتدمت أولاً في العاصمة طرابلس ومدينة بنغازي ما بين مليشيات كانت حتى الأمس القريب متحالفة في وجه النظام السابق. وقد ترافقت موجة الصراعات الجديدة وسط غياب كامل لمؤسسات وأجهزة الدولة المركزية وخصوصاً الجيش الوطني والشرطة التي كانت معروفة بكفاءاتها العالية منذ أيام النظام السابق. وكذلك ادت الموجة الجديدة الى تعطيل مرافق الدولة من مطارات وموانئ بما فيها تصدير البترول الذي تحول بدوره مادة صراعية. وقد ترافق هذا كله مع دعوات العديد في الدول الاجنبية والعربية لرعاياها الى مغادرة الاراضي الليبية. وهو ما ينذر بخطر داهم وكبير يبدو انه لا يستطيع أحد السيطرة عليه. وهو ما يفسر الدعوات التي بدأت بالظهور والتي تطالب المجتمع الدولي للتدخل العسكري وايدته دول الجوار وعلى رأسها مصر والجزائر وتونس نتيجة تحول ليبيا الى مصدر لتهريب الاسلحة بكل انواها الثقيلة والخفيفة والمتوسطة والتي كان يمتلكها النظام السابق وبعضها لم يستخدم وهذا الانفلاش يرده كثير من المراقبين الى سعي عدد من القوى والاطراف السياسية التي أفرزتها المرحلة الجديدة الى البقاء كأرقام صعبة في المعادلة السياسية خصوصاً بعد تراجع نفوذها وسلطاتها بعد مرحلتين من الانتخابات.
وهذا ما يفسر حالة الانشقاق الكبير الذي شهده المجلس الوطني الذي فشل بدوره حتى بالاتفاق على مكان عقد اجتماعاته. فالانقسام الحاد أدى الى دعوة عدد من النواب المحسوبين على تيار الاخوان المسلمين الى الاجتماع في مدينة مصراته التي تخضع لسيطرة المليشيات المسلحة الموالية لجماعة الاخوان والمدعومة من رئيس المؤتمر الوطني نوري أبو سهمين  الذي تعتبره جماعة الاخون المسلمين ورقتها الاخيرة وهو الذي اعطى الاوامر للميليشيات الاسلامية لمواجهة قوات "كرامة ليبيا" التي يقودها اللواء خليفة حفتر.
وهذا ادى الى بروز تيارين يدعي كل منهما الشرعية وهما:
1. تيار الاسلام السياسي وعلى رأسه "الاخوان المسلمون" الذي أصيب بنكسة في الانتخابات الاخيرة بحصوله على ما يقارب الـ 22 نائباً من أصل 200 نائب يشكلون المؤتمر الوطني.
2. تحالف لقوى قبيلة وانفصالية يجمع بين قواه العداء للاسلاميين وخصوصاً الاخوان المسلمين.
وهذا الاحتدام بالصراع وبشكله الحالي يبدو انه بات يشكل خطراً حقيقياً على بقاء ليبيا ذاتها في حالتها الحالية او الموروثة عن النظام السابق الذي كان يتباهى بالقدرة على بقائه موحداً.
وعلى هذا الاساس يبدو ان ليبيا الآن امام خيارين احلاهما مر فهي الآن امام اختبار اما اعلان التقسيم على اساس قبلي وعشائري أو التناحر المستمر كما يحدث في الصومال المجاور وهذه الحالة قد تستمر لعشرات السنوات القادمة.
وفي كلا الحالتين لن تبقى الارض الليبية والشعب الليبي كما كان ايام النظام السابق والذي يبدو ان الليبيين سوف يترحمون على ايامه ولياليه.