بقلم: عبد الباسط خلف

لم تكن عائلة عمور، المُقيمة في قرية عنزا جنوب غرب جنين، تعلم أن بيت عزاء الحاجة آمنة أسعد عبد الحافظ  (82 عامًا)، سيتحول إلى ميدان رماية بالذخيرة الحيّة لجنود الاحتلال، عصر الأربعاء الفائت.

واسترجع رمزي عبد العفو عمور، التفاصيل الصعبة التي عاشتها الأسرة، عقب وقت قصير من جنازة عمته "أم أيوب"، إذ انقلبت اللحظات الأولى من بيت العزاء في شارع المعصرة رأسًا على عقب.

وقال رمزي، الذي قضت زوجته زهور شهيدة: إنه "بعد نحو عشر دقائق من تشييع جثمان عمته، اقتحمت فرق "المستعربين" القرية، وحاصرت منزلاً يقابل ديوان العائلة وبيت العزاء، لاعتقال الشاب محمد براهمة، لكنها شرعت بإطلاق النار على رؤوس نساء الأسرة.

وأضاف بنبرة حزينة: أنه "سمع صراخ النسوة المجتمعات للعزاء، وسارع إلى ساحة البيت المستهدف ليجد زوجته تسبح في دمها، وليشاهد ثلاثًا من قريباته طالهن الرصاص"، مؤكدًا أنه وصل إلى رفيقة دربه، ووجدها قد لفظت أنفاسها الأخيرة، إذ أصيبت في الظهر، واخترقت رصاصة أعلى يدها اليمني ووصلت صدرها.

وتابع بحسرة: إن يد زوجته كانت على وشك السقوط، فقد مزقها الرصاص، بينما أصيبت ابنة أخته نور أسامة (12 عامًا)، في الفم، وطالت رصاصة رأس ابنة ابنة خالته الطفلة سيدرا محمد أبو غنية، وتعرضت زوجة عمه حليمة لإصابة في الفم، ولاحقت الشظايا أخته رولا، التي أصيبت في الظهر.

وجزم عمور أن منطقة بيت العزاء لم تشهد أي إطلاق للنار، وأن طبيعة الإصابات الخطرة تثبت بالدليل القاطع تعمد جنود الاحتلال بإطلاق النار في أماكن حساسة من الجسم بقصد القتل.

وتابع: كانت ساحة بيت العزاء مغطاة بالدماء، وعاشت النسوة في حالة هلع، وأصيب الأطفال الذين كانوا برفقة أمهاتهم بالصدمة، فقد كانت لحظات قاسية.

واختزل رمزي سيرة شريكة حياته زهور، أول شهيدة في قريتها، إذ أبصرت النور في 3 نيسان 1991، ودرست المحاسبة في جامعة القدس المفتوحة، ثم انقطعت لتدريس صغارها: هبة "12 ربيعًا"، وأحمد "10 سنوات"، والمعتز بالله "7 أعوام"، ورامز الذي يحمل اسم عمه الشهيد "5 سنوات"، ومسك التي لم تطفئ شمعتها الثانية بعد.

وأردف قائلاً: اتفقت أنا وزهور قبل جنازة عمتي أن اصطحب أحمد والمعتز بالله، وأرسلنا البنات إلى بيت خالتهن، وكانت هذه المرة الأخيرة التي نجتمع فيها معًا.

كانت أحلام رمزي وزهور تمهيد مستقبل سعيد لأطفالهم، وانقطعت الأم على الاهتمام بتدريس الأبناء ورعايتهم، وحرصت على تفوقهم، واعتادت التبكير في إيقاظهم خشية التأخر عن صفوفهم.

واستأنف الزوج والأب المكلوم: شهدت ظهيرة الأربعاء الغداء الأخير الذي اجتمعنا عليه، فقد سهرت زهور في الليل السابق لتجهيز ورق العنب، وأعدته على موعد عودة الأولاد.

ووفق رمزي، فقد كانت الليلة الأولى التي غابت فيها شريكة العمر عن بيتها وأطفالها قاسية، وظلت الصغيرة مسك، التي بالكاد تنطق كلمة "ماما" تسأل عن والدتها، فأخبرها بأنها مسافرة، واحتضنها طوال الليل.

بدوره، قال إبراهيم عمور، خال الطفلة المصابة سيدرا: إن "وضعها الصحي غير مستقر تمامًا، فقد أخبر الأطباء العائلة بأنها اجتازت الـ 72 ساعة الأكثر خطورة"، مبينًا أن الجريحة، قدمت قبل شهر واحد من بيت لحم، واستقرت في عنزا برفقة أمها، وبدأت بدراسة الصف الرابع في مدرسة عنزا الأساسية المختلطة، لكن رصاص الاحتلال أوقف أحلامها.

من جانبه، أفاد المدير العام لمستشفى الرازي، فواز حماد، أن الأطباء أجروا لسيدرا عملية استغرقت 4 ساعات، وأحدثوا فتحة في الدماغ لإيقاف النزيف، وما زالت في العناية الفائقة.

وتتوزع الآن دعوات عائلة عمور وقلوبها بين مستشفيي الرازي في جنين والنجاح التعليمي في نابلس، إذ تمضي سيدار ونور في غيبوبة مؤقتة، بينما تغرق الحاجة حليمة في أوجاعها.