في ظل الجدل الدائر حول حقوق الفلسطينيين على الساحة الدولية، يبرز تساؤل رئيسي: هل يتم استخدام القانون الدولي كوسيلة للتستر على الاحتلال الإسرائيلي، أم أنه يمثل الطريق الشرعي نحو إقامة الدولة الفلسطينية؟ مع انعقاد الاجتماعات السنوية للأمم المتحدة، يعود الحديث عن السعي الفلسطيني الدؤوب نحو الحصول على اعتراف عالمي بدولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

تأتي هذه الجهود في وقت حرج يشهد فيه الفلسطينيون تصعيدًا غير مسبوق في العنف والاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة والضفة الغربية ومزيد من الاستيطان ومحاولات التهجير. تحاول إسرائيل تبرير استخدام القوة المفرطة ضد الفلسطينيين بحجة الأمن و"الدفاع عن النفس"، وفقًا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. إلا أن المادة نفسها تقر بأن "الدفاع عن النفس" لا يمكن أن يكون مبررًا لدولة تحتل أراضي شعب آخر. كما يمنح القانون الدولي الشعوب المحتلة الحق في الدفاع عن نفسها ومقاومة الاحتلال بكافة الوسائل المشروعة.

وفي ضوء القرارات الأخيرة لمحكمة العدل الدولية في 19 يوليو 2024، تم التأكيد على عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية. وقد أشار الحكم إلى أن استمرار الاحتلال والمستوطنات يمثلان خرقًا صارخًا للقانون الدولي واتفاقيات جنيف، وخاصة المادة 49 التي تحظر نقل السكان المدنيين لدولة الاحتلال إلى الأراضي التي تحتلها. هذا الحكم أعاد تسليط الضوء على الفجوة بين تطبيق القانون الدولي وواقع استمرار الاحتلال الإسرائيلي.

ومع اقتراب الاجتماعات السنوية للأمم المتحدة، يجدد الفلسطينيون نداءهم للمجتمع الدولي لتحقيق العدالة وإنهاء الاحتلال. في كل عام، يتم التطرق في الأمم المتحدة إلى موضوع فلسطين، لكن ما يميز هذا العام هو تصاعد الضغط الدولي على إسرائيل للتوقف عن استخدام "ورقة التوت" المتمثلة في القانون الدولي لتبرير ممارساتها القمعية. فبينما تتحدث إسرائيل عن "الدفاع عن النفس"، تتجاهل أن الاحتلال نفسه هو السبب الرئيسي ,والجذر وراء العنف المستمر. ومن هنا، يجب أن يتحول التركيز الدولي نحو تنفيذ الأحكام الدولية بحق الاحتلال الإسرائيلي والاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. وفي سياق السعي للحصول على الاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، يبرز التحدي الأكبر للفلسطينيين في كيفية تحويل الدعم الدولي الواسع إلى خطوات ملموسة على الأرض. فالقرارات الأممية مهمة، ولكن البناء على قرار محكمة العدل الدولية بعدم قانونية الاحتلال وضرورة تفكيك المستوطنات يعد نقطة الارتكاز المحورية للتعامل مع الواقع الإسرائيلي القائم. إضافة لقرارات مجلس الأمن واخرها 2735 لعام 2024، حيث أكد القرار على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي فورًا وتفكيك المستوطنات غير القانونية التي تعتبر العقبة الكبرى أمام تحقيق السلام العادل والدائم.

يجب أن تستمر السلطة الفلسطينية في مسارها القانوني الدبلوماسي الدولي حتى النهاية، حيث تستند استراتيجيتها التداولية إلى أدوات لا خلاف عليها وهي القانون الدولي والدبلوماسية، التي تحظى بدعم غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.  الضغط الدولي يمكن أن يُمارس من خلال العلاقات الثنائية والدبلوماسية القسرية، وهي أداة قوية بيد المجتمع الدولي لفرض عزلة دبلوماسية على إسرائيل أو لردعها عن ممارساتها. الذهاب إلى الأمم المتحدة يهدف إلى توثيق الحقوق الفلسطينية ووضع الكرة في ملعب المجتمع الدولي.

قرارات الأمم المتحدة، رغم عدم تنفيذها، تبقى جزءًا من السجل الدولي وتساهم في تعزيز الحق الفلسطيني في القانون الدولي. هذه الخطوة تذكّر المجتمع الدولي بالتزاماته تجاه القضية الفلسطينية، استنادًا إلى المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تلزم الدول الأعضاء بتنفيذ قرارات مجلس الأمن خاصة في ظل التوافق الدولي على حل الدولتين، الذي تتبناه فلسطين عبر منظمة التحرير الفلسطينية لتحقيق السلام العادل والشامل. في النهاية، القضية الفلسطينية تقف عند مفترق طرق حاسم. فإما أن يتم استخدام القانون الدولي كأداة لتحقيق العدالة وإنهاء الاحتلال، أو يستمر استخدامه كستار يغطي الانتهاكات الإسرائيلية. 

الاجتماعات المقبلة في الأمم المتحدة ستكون بمثابة اختبار حقيقي لمصداقية المجتمع الدولي في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وفي السعي لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة. القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، إن طبقت بشكل فعال، يمكن أن تكون الطريق الوحيد نحو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. لكن يبقى السؤال: هل سيتخذ المجتمع الدولي الإجراءات اللازمة لدفع هذا الطريق إلى الأمام، أم ستظل هذه القرارات حبراً على ورق؟