الشاعرة الفلسطينية نهى عودة

"صفُّوريَّة" قريةٌ فلسطينية، يُقال أنّ اسمها مُشتقٌّ من كلمةٍ سريانيّة تعني "العصفور"، وربّما يوحي ذلك إلى أسراب الطيور التي كانت تجتمع في "صفوريّة" الواقعة فوق تلٍّ على ارتفاع مائة وعشرة أمتار. وتتميّز "صفوريّة" بموقعها بين مدينتي: حيفا والناصرة، وهي في قضاء الناصرة. وتُشكِّل المنطقةُ المحيطة بقرية "صفورية" مدخلًا إلى "الجليل الأسفل"، وهي تُعتبر أهمّ وأكبر قرية في منطقة "الجليل"، وكان لها مكانتها الاستراتيجية عبر العصور.

أرض صفوريّة خصبةٌ معطاءةٌ تتدفّق بالخيرات الزراعية والفلاحية، فهي تشتهر بإنتاج الخضار والفواكه والمزروعات: القمح والشعير والزيتون والتين واللوز وما لا يُحصى من الخيرات الأخرى.. وقد كانت صفورية على مرّ العصور موقعًا جذّابًا وساحرًا لإقامة الحفلات: الكلدانية والسريانية والرومانية. شيّد فيها الرّومان قلعةً ما زالت آثارها حتى الآن، وكذلك لم يزل هناك أثرٌ لمسرح روماني ومساحة حوله تدلّ عليه، بالإضافة إلى دِير "السيدة حنة" والدة "مريم العذراء" كما يُقال.. الدّير مَعلمٌ سياحيٌّ يجذب الزوّار الأجانب، ويقيم فيه الرّهبان ورجال الدين المسحيين الذين يعملون دومًا على صيانته وترميمه. وهناك أيضًا ديرٌ ثانٍ تمّ بناءه في عام 1924، وهو يتبع للدير الأول، وبُني من ثلاثة غُرف.

قدّم الدّير خدمات جليلة لأهالي صفورية، ومن تلك الخدمات: تعليم النساء، والتطريز والخياطة.. إضافة إلى وجود عيادة لعلاج الأطفال وكبار السنّ. وكانت علاقة أهالي قرية صفورية بالأديِرَة طيّبة وراقية، فكانوا يُمدّون الرّهبان والرّاهبات بالخضار والحبوب والفواكه وزيت الزيتون.. إضافة إلى خمسين ليرة فلسطينية خُصِّصت من المجلس المحلي للبلدة كدعمٍ شهري لدير "السيدة حنة".

كان في صفورية مدرستان، واحدةٌ للبنين وأخرى للبنات، وثلاثة جوامع، منهم جامعٌ مُخصّص لتحفيظ القرآن الكريم ويضمّ قسمًا لتعليم القراءة والكتابة. كذلك، كان يوجد بها مضافات لوجهاء البلدة، ودار للضيافة من أجل استقبال ضيوف القرية أو عابري السبيل أو الغرباء.. وكانت مُجهّزة بمختلف وسائل الراحة، وأبوابها مفتوحة دائمًا.. وكان هناك أيضًا (كومباوند) للألمان بنوه قبل الحرب العالمية الأولى قريبًا من "دير السيدة حنة"، وقريبًا أيضا من أرض جدّي لأبي.

كما كان في صفورية نبع ماءٍ وعينٌ، بالإضافة إلى "القسطل" وهو نهرٌ ما زال يحمل تسميته إلى الآن. ومعظم نساء صفورية كنّ يذهبن إلى العين ليجلبن الماء في جِرار إلى بيوتهن، أو يغسلن الملابس والأغراض المنزلية..

العلاقة بين أهالي صفوريّة كانت طيّبة وتسودها المحبّة والإخاء والتعاون، وكان معظمهم من مُلّاك الأراضي الفلاحية ويعيشون في بحبوحة عيشٍ هانئين مطمئنّين.