برتقال غزة، كما في قصيدة لمحمود درويش هو دمها المعلب، لكن هذا الدم لم يعد اليوم معلبًا، بل مسفوحًا على مدار الساعة، بليغًا في وضح النهار، ومضيئًا في عتمة الليل كمثل جمرة تتلوى بين أضلع الفجيعة، وغزة تصلي حتى والجراح تشتعل على مآذنها، وحتى سجادة الصلاة ليست سوى هذا التراب، بين أطلال مساجدها المدمرة.

ما ثمة برتقال، غير أن زهرة الأمل تتفلت من بين الركام، لكن مع أسئلة لها وقع الرصاص، في النفوس الحائرة، ما الذي كان؟ وكيف كان الذي كان؟ وما الذي سيكون بعد الآن؟ خطاب التفاوض حتى اللحظة خطاب المناورات الحربية ليس إلا، وأصحاب الشعارت مشغولون بجمع الأموال من جيوب العواطف الإنسانية النبيلة، ويقال ثمة نصف مليار دولار باتت اليوم في خزائن "حماس" جراء ذلك.

نصف مليار دولار، وثمة تجار حرب في غزة، يسرقون المساعدات ويعلبون لقمة الكفاف سلعة في سوق التجارة الحرة، لو ينشغل هؤلاء في البحث عن سبل النجاة من جائحة الخراب، لو يكفوا عن المزايدات الانشائية، التي لا تسمع شيئا من نواح الضحايا، ولا ترى الدم إلا كلمة، لتمكين الشعار كغنيمة.

ما ثمة برتقال، ودم غزة ما زال يسفح بقذائف الاحتلال في كل لحظة، ما من يوم يمر دون أن يكون هناك عشرات الشهداء، والجرحى، والنازحون الجوعى والعطاشى، ومع ذلك ليست "حماس" في عجلة من أمرها للتوصل إلى وقف إطلاق النار مع إسرائيل، طبقًا لتصريحات رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج، خالد مشعل، في المقابلة التي أجرتها معه صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، ولأن تصريحًا من هذا النوع غريب المسؤولية بمختلف مسمياتها الأخلاقية والوطنية، حاولت "حماس" التصحيح بالقول إن التصريح الذي نشر كان منقوصًا، وأن وسائل الاعلام تلاعبت به، لتسيء لموقفها بشأن مفاوضات الصفقة التي تريد، وأن مشعل قال إن حماس ليست في عجلة من أمرها لعقد الاتفاق بأي ثمن. والواقع لم يعدل هذا التصحيح شيئًا في تصريح مشعل، إذ بقي المعنى كما يقال في بطن الشاعر. وعبارة  "بأي ثمن" لا تنفي أن "حماس" ليست في عجلة من أمرها، طالما ظل هذا الأمر أمر التفاوض الذي ما زال حتى الآن مجهول المستقبل.

بعد أكثر من أربعين ألف شهيدة وشهيد، وأكثر من خمسة وتسعين ألف جريح، لا ينبغي لجملة "ليست في عجلة من أمرها، وأيًا كانت تكملتها" أن ترد في أي تصريح لأي مسؤول فلسطيني، إن كان حمساويًا أو غير ذلك. إنها جملة معيبة واستفزازية، وغير مسؤولة، وأهل غزة الذين يعتصر قلوبهم ألم الفقد المهول وحالهم حال الصعب والقلق والهم الثقيل، لا يريدون غير التعجل الاخلاقي، والوطني المسؤول، في التفاوض، لعل اتفاقًا يرى النور، يوقف هذه الحرب مرة واحدة، وبلا أي رجوع إليها، ويفتح لهم دروب الحياة ليعبدوها من جديد لتمضي بهم إلى مستقبل آمن، سيظل ممكنًا مع الوحدة الوطنية، وسلطة القانون الواحد، والقرار الوطني الواحد الموحد.