طوال الوقت كانت إسرائيل صهيونية وتوسعية وعنصرية، وطوال الوقت كانت تتصرف كإسبارطة، أي قلعة عسكرية محصنة تهاجم كل من حولها، لكنها اليوم ومع كل ذلك مختلفة، وذلك من زاوية أن من يسيطر عليها هو أقصى اليمين الصهيوني، وهو سليل الجناح اليميني الأكثر تطرفًا، ولم يكن مؤسس هذا الجناح أو التيار فلاديمير جابوتينسكي يخفي فاشيته بل يفاخر بأنه فاشي وكان يعلن ذلك في ثلاثينيات القرن العشرين.

خطورة هؤلاء أنهم لم يتنازلوا كل الوقت، وبعكس التيار العمالي الصهيوني، لم يتنازلوا عن فكرة إسرائيل الكبرى، وهي التي تضم فلسطين التاريخية وشرق الأردن حتى مشارف الصحراء، وجنوب لبنان حتى الليطاني، وجنوب غرب سوريا.

من يحكم إسرائيل يؤمن ويمارس الرواية التوراتية، من حيث ما فيها من جغرافيا. فهذا التيار كان يقف طوال الوقت ضد كل المشاريع التي من شأنها تقسيم "أرض إسرائيل"، هم كانوا يعارضون بشدة التقسيم الذي أوصت به اللجنة البريطانية الملكية "لجنة بيل" عام 1937، ورفضوا دعمه حتى تكتيكيًا كما فعل بن غوريون. ولاحقًا رفض هذا التيار بشدة قرار التقسيم الذي أصدرته الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة في خريف عام 1947، والذي تأسست إسرائيل بموجبه، وواصل العمل من أجل إسرائيل الواسعة الكبرى. وهذا التيار متشدد جدًا في عدم الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني وحقوقه، وقاوم اتفاقيات أوسلو حتى قضى عليها عمليًا، وهو ومن أجل إنهاء أوسلو ومنع أي تطور يمكن أن يقود إلى دولة فلسطينية اغتال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين عام 1995.

ولم يكن اغتيال رابين هو الأول في تاريخ هذا التيار الفاشي بهدف قتل أي فرصة قد تحقق سلامًا مع الفلسطينيين يمنع أو يحد من مخططاتهم التوسعية، فقد كان هذا التيار مسؤولاً عن اغتيال العديد من الرموز اليهودية التي تؤمن بالسلام، كما اغتالوا مبعوث الأمم المتحدة للسلام إبان حرب عام 1948، الكونت برنادوت. ومنذ البداية شكل هذا التيار منظماته العسكرية الإرهابية المنفصلة عن الجسم الأمني الصهيوني الرسمي "الهاغاناه"، في البداية شكلوا الهاغاناه- ب، ثم أسسوا منظمات "شتيرن" و"الإرغون" وهي المنظمات المسؤولة عن معظم الاعتداءات والمجازر التي ارتكبت ضد الفلسطينيين، وهم من قاد ما أطلقوا عليه "المقاومة" ضد الإنجليز وهم من نسفوا فندق الكينغ ديفيد في القدس، والذي كان عمليًا المقر الإداري لسلطة الانتداب البريطاني.

ونعود لعلاقتهم بالرواية الدينية التوراتية، فإلى جانب مسألة الجغرافيا فهم يستلهمون فكرة الإبادة، إبادة الأغيار وبالتحديد من شخصية يهوشع بن نون التوراتية، هذا الجنرال الذي كان يرافق النبي موسى وهو من اقتحم أريحا لاحقًا، وكل المدن الفلسطينية الكنعانية وأباد كل من فيها من بشر. فما يستلهمه هذا التيار الفاشي من التوراة، فكرة إسرائيل الكبرى وحروب الإبادة.

نعود لإسرائيل التي تقوم منذ عام بحرب إبادة في قطاع غزة والضفة، واليوم تنقلها إلى لبنان، علينا أن نلاحظ الجانب التوسعي في العمليات العسكرية التي تقوم بها إسرائيل في المناطق الثلاث، وأيضًا هدف تغيير الخارطة الديموغرافية والتهجير في هذه العمليات، ففي قطاع غزة هناك خطر التهجير لا يزال ماثلاً، كما فكرة ضم القطاع أو على الأقل الجزء الشمالي منه، وفي الضفة هناك مخططات أكثر خطورة واتساعًا، فهم يسعون لضم منطقة الأغوار، ومناطق "C"، بالإضافة إلى تهجير قدر كبير من السكان، أما في لبنان فالجنوب مهدد بالضم وأيضًا هناك مخاطر لتهجير سكان الجنوب والبقاع الغربي.

إسرائيل التي نتعامل معها اليوم هي أخطر حتى من إسرائيل مناحيم بيغن وأريئيل شارون، وهي بالتأكيد أخطر من إسرائيل التي كان يقودها حزب العمل، وما يطلق عليه اليسار الإسرائيلي. التيار الصهيوني الفاشي يرى اليوم أن لديه فرصة قد لا تتكرر لتنفيذ كل ما يحلم به من توسع وهيمنة على المنطقة. ومع ذلك ليس بالضرورة أن يحقق هذا اليمين المتطرف كل أهدافه، وإن إفشال مخططات هؤلاء الفاشيين تتطلب تماسكًا وحكمة في هذه المرحلة أكثر من المواجهة بالعضلات، والأهم ألا نواصل إعطاءهم كل المبررات التي تبرر وحشيتهم وتوسعهم.