تصاعدت دائرة الصراع في الشرق الأوسط بعد قيام قوات الحرس الثوري الإيراني بتوجيه أكثر من 200 صاروخ باليستي ضد القواعد العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية، وخاصة قاعدة "نيفاتيم" الجوية التي تظهر الصور الجوية بأنها دمرت بشكل شامل. المتحدث باسم الجمهورية الإيرانية برر هذه الضربة بأنها رد على اغتيال إسماعيل هنية وحسن نصرالله. وبرغم أن الضربة لم تقتل أي إسرائيلي، ولم تعلن عن حجم خسائرها العسكرية جراء هذه الضربة، إلا أن رسالة إيران وصلت لإسرائيل بوضوح، وهي أنها قادرة على ضرب العمق الإسرائيلي إذا ما احتاجت لذلك في المرات المقبلة، لاسيما أنها تمتلك مئات الآلاف من الصواريخ الباليستية. وهذا بالضبط ما دفع الحكومة الإسرائيلية إلى تصعيد لهجتها ضد إيران، حيث هدد نتنياهو بوضوح إيران، وأكد على أن رداً إسرائيلياً سيكون قوياً ومدمراً، وكرر مقولته بأن إسرائيل بإمكانها أن تصل إلى أي منطقة في الشرق الأوسط.

في الواقع، لا تمتلك إسرائيل مخزوناً استراتيجياً معلناً عنه من الصواريخ الباليستية، ولكن بعض التقارير تشير الى إمكانيات إسرائيلية هائلة في مجال إنتاج الصواريخ الباليستية لا سيما أنها تمتلك صواريخ "أريحا"، والتي بإمكانها أن تصل إلى أي نقطة في إيران. من جانب آخر، تمتلك إسرائيل أكبر قوات جوية في المنطقة يبلغ قوامها نحو 600 طائرة مقاتلة، وتشتمل هذه القوات على طائرات F35 المتطورة وذات القدرات الاستراتيجية العالية، إضافةً إلى طائرات معدلة من F15 ومقاتلات F16.
وَإضافةً إلى هذه القوة العسكرية التدميرية، تمتلك إسرائيل قدرات استخباراتية عالية، وقد استخدمتها أكثر من مرة في ضرب العمق الإيراني، وكان آخر هذه الضربات اغتيال هنية في قلب العاصمة الإيرانية، كما أن الحديث يدور الآن عن إختراق في الأجهزة الأمنية الإيرانية لاسيما في فيلق القدس، حيث تم إستيراد أجهزة البيجر المفخخة، كما تم اغتيال حسن نصرالله في الضاحية الجنوبية. وفي ضوء كل هذه المعطيات الأمنية، تمتلك إسرائيل قدرات عالية على الرد العسكري ضد إيران، ولكنها بالمقابل لا تستطيع جعل هذه الضربة شاملة، بحيث تقضي على المفاعلات النووية الايرانية أو تقوم بتدمير شامل للقدرات الصاروخية لإيران، وذلك لعدة أسباب:

- أولاً: إن ضرب المفاعلات النووية الإيرانية سوف يؤدي إلى تلوث إشعاعي نووي خاصة أن التقديرات العسكرية تشير إلى أن إيران تمتلك على الأقل 300 كغم من اليورانيوم المخصب. وسيكون لهذه الضربة تأثير إشعاعي واسع لمئات السنين، وسيتوسع تأثيره إلى مناطق شاسعة في الشرق الأوسط بما فيها إسرائيل نفسها.

- ثانياً: إن ضرب المفاعل النووية الإيرانية سيجبر إيران على الدخول في حرب شاملة ضد إسرائيل، وهو الأمر الذي لا تريده إسرائيل ولا حلفائها، فإيران دولة قوية وتمتلك أدوات تأثير كبيرة في الشرق الأوسط وتستطيع التأثير سواء من خلالها أو من خلال وكلائها على المصالح الغربية ليس فقط في المنطقة وانما في العالم ككل.

- ثالثاً: إن قيام إسرائيل بتوجيه ضربات إستراتيجية شاملة ضد إيران سيدفع الأخيرة إلى إعادة إنتاجها لفكرة "الشرطي الإيراني في منطقة الخليج"، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى قيام القوات الإيرانية أو وكلائها باحتلال بعض المناطق في الخليج العربي، وهذا إن حدث فإنه سيعقد المسألة في العالم ككل وسيعيد إلى الأذهان حرب الخليج.

- رابعاً: لن تسمح الصين وروسيا بضرب حليفهما الاستراتيجي إيران ضربةً شاملةً، خاصةً أن لها مصالح إقتصادية وإستراتيجية في المنطقة، ولن تترك هاتين الدولتين الكبيرتين المنطقة تحت النفوذ الأميركي والإسرائيلي.
وفي النتيجة، يمكنني القول بأن إسرائيل ستتردد كثيراً بتوجيه ضربات شاملةً واستراتيجيةً ضد إيران، وستقتصر الضربة على قواعد عسكرية محدودة وربما تتسع بحذر إلى مصافي وأبار النفط، ولكنها أبداً لن تشتمل على ضرب المفاعلات النووية الإيرانية.