كمثل كابوس مرعب خرج من بين مسارب الجحيم،  وتجسد واقعًا مهولاً على أرض الواقع، تجسدت منذ عام، وحتى اللحظة، وما زالت تتجسد حرب إسرائيل، في قطاع غزة، الكابوس ذاته، بواقعية وحوشه الفولاذية، التي تقذف حمم النيران من كل صنف ومستوى، حتى أحالت القطاع إلى أرض محروقة، وخراب عظيم، ومقتلة كبرى، بأكثر من أربعين ألف شهيدة، وشهيد، ثلثهم من الأطفال، والنساء، وبأكثر من تسعين ألف جريح، بلا مشافٍ ولا أدوية، وبنازحين لا حصر لأعدادهم، ما زالوا يتضورون جوعًا وعطشًا، وأمانًا.

عام من الكابوس الواقعي، حاضر بلا نوم ولا أغطية، ولا جديد في يومياته، عام بدأ منذ السابع من أكتوبر الماضي، بعملية لحركة حماس أسمتها "طوفان الأقصى" هلل له البعض، على اعتبار أن هذا الطوفان لن يخذل اسمه، وأنه ماضٍ نحو الأقصى محررًا. وأن إسرائيل الاحتلال والعدوان سترتد إلى جحورها خائبة، وما رأى هذا البعض، في حمأة الانفعال العاطفية، أن استعدادات الطوفان لم تكن على ما يرام، فلا ملاجئ في غزة، ولا تحضيرات، ولا تجهيزات ولا تموينات، حسبت حساب الفاشية الإسرائيلية، وترسانتها الحربية، وما حسبت كذلك أن إسرائيل لن تكون وحدها، ومن خلف الأطلسي، ترسانة حربية مفتوحة الأبواب، ستكون معها، ولأجلها، ومليارات لن تخذل حالها الاقتصادية، حسابات أخطأت تقدير حقيقة موقف حاضنتها الإيرانية، التي صاغت لها قرار الطوفان، بحسابات مصالحها الخاصة، المناهضة لمصالح الإقليم العربي، ومصالح وأهداف فلسطين أولاً.

ذهبت "حماس" ومعها "الجهاد الإسلامي" بقرار الطوفان، كمثل مليشيًا، وبوعيها وسلوكها، وبوهم أن مصالح إيران قد تحقق لها مصالحها، أخطأت "حماس" الموقف والتقدير والطريق أيضًا، إذ ظلت تسير في طريق مخالف لطريق الوطنية الفلسطينية، وأخطأت الرشد والواقعية النضالية، وتشبثت بطريق المكابرة والنكران، التي ما زالت طريقًا مغلقة، لا منفذ فيها، ولا فضاء لها، سوى فضاء الطائرات الحربية الإسرائيلية التي تواصل دك القطاع المكلوم بلا هوادة.

ما مر يوم في هذا العام المعتم، دون أن يسقط لنا العشرات بل المئات، من الشهداء، والجرحى، المقتلة متواصلة، ووداعًا لوحدة الساحات التي لم تكن غير شعار، كشفت عوراته اليوم، طائرات إسرائيل الحربية، في عدوانها العنيف على لبنان الشقيق.

سنة من الحرب لا تنتهي، وسؤال الضحايا ما زال هو السؤال: متى تنتهي هذه المقتلة، متى يكون الخلاص، وطريقه ليست غامضة، ولا بعيدة، والوطنية الفلسطينية بقيادتها الشرعية تمدها واضحة لكل من يسعى للسلوك والسير فيها، إذ هي طريق الوحدة، ولا طريق سواها، فمتى تخرج حماس من طريق طهران، وتخلعه إلى غير رجعة، ليمضي شعبنا وقضيتنا نحو الخلاص، وقد أوضح غاياتها الوطنية والإنسانية النبيلة، الرئيس أبو مازن في أحدث خطاب له من على منصة الأمم المتحدة. متى؟.