إثر خطاب رئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية أبو مازن على منبر الشرعية الدولية "الجمعية العامة للأمم المتحدة" وتقديمه الرؤية الفلسطينية الشاملة، فيما يخص اليوم التالي للحرب، و"حل الدولتين" القائم على مبدأ قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية مع ضمانات دولية عملية على الأرض تحفظ الأمن والاستقرار، إثر الخطاب كان إعلان وزير الخارجية في حكومة المملكة العربية السعودية باسم الدول العربية على رأسها فلسطين والإسلامية والاتحاد الأوروبي عن إطلاق "التحالف الدولي" من أجل قيام "دولة فلسطين" وتطبيق حل الدولتين، ودعا لأجل تحقيق وتجسيد المنطلقات العملية إلى مؤتمر في المملكة.

فهذا الإعلان يمكن اعتباره تحديثًا منطقيًا وواقعيًا للمبادرة العربية التي كانت قد أطلقتها المملكة سنة 2002 في قمة بيروت في لبنان، تحديثًا منسجمًا مع واقع دولة فلسطين في خريطة العالم الجيوسياسية ومكانتها الآخذة بالارتقاء نحو عضوية كاملة في هيكلية الشرعية الدولية، مع التذكير أن المبادرة العربية باتت جزءًا لا يتجزأ من مجموع المرجعيات الدولية للحل، ومعتمدة في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن فلسطين، وحاضرة دائمًا في منهج حركة القيادة السياسية الفلسطينية وخطابها ورؤيتها الثابتة للحل. ومن هذه النقطة يمكننا قراءة هذه المبادرة باعتبارها دليلاً على ثبات موقف قيادة المملكة العربية السعودية من قضية قيام دولة فلسطينية مستقلة قبل المباشرة بأي خطوات تطبيعية مع إسرائيل ارتكازًا على نصوص المبادرة العربية، التي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز – رحمه الله – وهذه ذات المبادرة التي أصرت القيادة الفلسطينية على تطبيقها من الألف إلى الياء، وليس العكس، أو الاقتصار على مرحلة التطبيع منها، وهنا تجدر الإشارة إلى أن دولاً عربية أقامت تطبيعًا وعلاقات مع إسرائيل، وممثلة في مجموعة العمل العربية والإسلامية، ستعمل إلى جانب الدول العربية والإسلامية والأوروبية لتحقيق أهداف الاتحاد الدولي المحددة في عنوانه، وبذلك يمكننا رؤية حرج الساسة الأميركيين والإسرائيليين، الذين رهنوا سياساتهم بالأمنيات، والتسرع في تجسيد خطوات ترفع أسهم مشاريعهم الانتخابية، فهؤلاء لم يدركوا جيدًا المرتكزات الصلبة التي اعتمدت عليها الرؤية الفلسطينية الثابتة والمتجددة دون المساس بثوابتها  التي لطالما أكدها الرئيس محمود عباس في خطاباته الأممية والعربية والدولية.

لقد راهنت منظومة الاحتلال والاستيطان العنصرية إسرائيل على استدراج التطبيع تلقائيًا مع المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى، لإنشاء حلف رسمي "عربي إسرائيلي" بمباركة أميركية لمواجهة خطر إيراني تم تضخيمه، ومنحه قوة رآها البعض خطرًا وجوديًا تستوجب الالتجاء والاستجابة لمخططات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والانخراط بدون شروط فيما سميت "الاتفاقيات الإبراهيمية".

أما اليوم فإن منظومة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني الصهيوني، مضطرة لمواجه تحالف "عربي إسلامي دولي" يقف في جبهة السلام المضادة لسياسة الحروب والمجازر والإبادة التي تنتهجها إسرائيل، ما يعني أن الدول العربية والإسلامية وكذلك الأوروبية، قد تبينت الأهداف الحقيقية لحملة الإبادة التي تشنها منذ سنة، وأبعاد اتخاذها السابع من أكتوبر/ تشرين الأول ذريعة لإعادة تشكيل وتحديث احتلالها لفلسطين وأرض عربية في دول عربية مجاورة، ولفرض أجندتها السياسية على دول اخرى، وليس بعيدًا عن حلفاء إسرائيل الطبيعيين.

يمكننا الإشارة إلى تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون أول أمس، عندما أكد أن حل الدولتين كسبيل وحيد لحل القضية وإحلال السلام في الشرق الأوسط، أما الحليف الاستراتيجي الولايات المتحدة الأميركية، فإن أحاديث وتصريحات الساسة في الإدارة الحالية – رغم أجواء الدعاية للانتخابات الرئاسية – تكاد لا تخلو من إشارة إلى حل الدولتين ولو خجولة، أي بصورة غير واضحة التفاصيل والمعنى الدقيق.

إذن نحن في خضم هجوم سياسي دبلوماسي قانوني فلسطيني عربي دولي بأسلحة قرارات وقوانين الشرعية الدولية، تجلت نتائجه الايجابية وانجازاته بانكشاف العدائية المطلقة التي تكنها منظومة الصهيونية الدينية في إسرائيل للشرعية لأممية بهجومها السافر على رمزها الحالي والأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيرتش" الذي اعتبرته شخصًا غير مرغوب فيه في إسرائيل ومنعت دخوله إليها، بعد فرم مندوبها ميثاق الأمم على أعلى منبر في الجمعية العامة، فانكشاف إسرائيل سيحد حتمًا من قدرتها على تحقيق أهداف حملة الإبادة الدموية في فلسطين والتي امتدت إلى لبنان الشقيق، حتى لو سيطرت وغلبت بقوتها النارية إلى حين، فالأهم بالنسبة لنا وللعرب ولأوروبا ألا تتشفى إسرائيل برؤية راية استسلام أو خضوع بأيدينا وفوق رؤوسنا أبدًا.