خلال عام من الإبادة الجماعية الإسرائيلية التي بدأت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 في قطاع غزة، لم تسلم النساء والأطفال من أهوال الجرائم المرتكبة بحق المدنيين حيث تعرضوا لأشكال مختلفة من العنف بما فيه القتل والإصابة والفقد.

الواقع القاسي الذي خلفته هذه الإبادة، ضاعف من أعباء النساء اللواتي وجدن أنفسهن أمام مسؤوليات ثقيلة بعد استشهاد المعيل الأساسي لأسرهن، فتحملن بشكل مباشر مسؤولية رعاية الأطفال بمتطلباتها الكبيرة خاصة فيما يتعلق بتوفير "الأمن" بحده الأدنى عبر قيادتهن لرحلات النزوح المتكررة، والنجاة بأطفالهن من جحيم الغارات الإسرائيلية.

وشكلت النساء إلى جانب الأطفال ما نسبته 69 بالمئة من إجمالي الضحايا، حيث استشهد منهن نحو 11 ألفًا و458 سيدة، بينما بلغ عدد الشهداء من الأطفال حوالي 16 ألفًا و891، فضلاً عن إصابة عشرات الآلاف، بعضها كانت إصابات عميقة وصعبة تضمنت بترًا لأحد الأطراف أو كليهما ما فاقم من مأساة النساء وألم الأطفال.

إلى جانب ذلك، تتحمل النساء أعباء البحث عن بدائل اقتصادية لتوفير لقمة العيش لأسرهن وسط صعوبة وصولهن للاحتياجات الأساسية من الغذاء والمياه، يساعدهن في ذلك الأطفال.

كما تعاني النساء من آثار نفسية وصفها أخصائيون بـ "العميقة" جراء الظروف غير العادية التي يمررن بها يوميًا، خاصة تلك الفئة التي تعرضت لفقدان أحد أفراد أسرتها أو أطرافها.

وفي 18 تموز/يوليو الماضي، قالت الممثلة الخاصة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في فلسطين ماريس غيموند، في تصريحات نشرها الموقع الرسمي للأمم المتحدة: إن "مليون امرأة وفتاة في غزة يتحملن أسوأ أعباء حرب ممتدة".

وأضافت: "النساء في غزة جائعات ومنهكات ومريضات، يحافظن على بقاء الأسر معا على الرغم من أنهن يعشن في خوف مستمر وفقدان".

وتابعت: "كل امرأة قابلتها كانت قصة فقدان، أكثر من 6 آلاف أسرة فقدت أمهاتها".

- أعباء ثقيلة

وتقول المواطنة ابتسام جندية (52 عامًا): إنها "مرت منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر بنحو 8 رحلات نزوح بدءًا من مكان إقامتها بالشجاعية شرق مدينة غزة حتى إقامتها الحالية داخل مدرسة الرملة للإيواء شرق المدينة"، مشيرةً إلى أنه وفي كل رحلة نزوح، كانت تخرج من المنزل بملابسها التي ترتديها فقط.

وهنا تبدأ مراحل المعاناة بالنسبة لـ"أم محمد" في توفير أساسيات الحياة لها ولنحو 12 شخصًا تتولى مسؤولية إعالتهم.

وبعد استشهاد نجلها منذ سبعة أشهر بنيران الاحتلال الإسرائيلي وإصابة الآخر وانتقاله إلى جنوب قطاع غزة للعلاج، تحملت "أم محمد" مسؤولية إعالة وحماية زوجتيهما وأبنائهما.

وحلت جندية محل معيلي أسرتين، رغم الحالة النفسية الصعبة التي تمر بها جراء فقدان أحد أبنائها وإصابة الآخر وعدم رؤيته منذ عام.

وتقول بعيون دامعة: "ابني قبل استشهاده كان يوفر مستلزمات الحياة، لم أتحمل مسؤولية أي شيء قبل ذلك"، مضطرةً لأن تكون قوية من أجل هؤلاء الأطفال، فهي تخرج وحيدة بحثًا عن الحطب المستخدم لإشعال النيران للطهي أو تسخين المياه، مشيرةً إلى اعتمادهم الكبير على المواد الغذائية المعلبة التي ألقت بآثارها السيئة على صحتها وصحة الأطفال، وذلك لندرة توفر الطعام.

- معاناة مضاعفة

بعد تدمير منزلهم في حي الشجاعية، فقدت العائلة كافة مستلزمات الحياة الخاصة بها حيث تواجه "جندية" معاناة في توفيرها مع كل رحلة نزوح خاصة ما يتعلق بالملابس والأغطية والأواني.

وتضيف: "مرت علينا في أماكن النزوح أجواء شديدة الحرارة صيفًا وأخرى شديدة البرودة شتاءً، ونحن لا نملك ملابس ومستلزمات تتناسب معها"، مشيرةً إلى أنها في الشتاء ولنقص المستلزمات، لجأت لفرش الكتب والأوراق المدرسية على الأرض للتخفيف من لسعاتها الباردة على أجساد الأطفال.

كما دفعت ثمنًا كبيرًا لظروف الحياة القاسية داخل مركز الإيواء، حيث أصيبت يداها بحروق واضحة وتشققات جراء الطهي على النار وغسل الملابس يدويًا.

واستكملت قائلة: "الأطفال أيضًا أصيبوا بأمراض جراء هذه الظروف سواء جلدية أو معوية"، مشيرة إلى أنه قبل الحرب كانت الحياة سهلة، كل شيء متوفر، الكهرباء والغسالة والمياه الصالحة للاستخدام والصابون وآلة الطهي، اليوم لتوفير أي شيء هناك معاناة مختلفة.

وتصف طبيعة الحياة قائلة: "أصبنا بحالة من اللا مبالاة وسط الحزن والجوع والخوف والبرد والتهجير والبعد عن الأحبة".

وتتساءل قائلة: "ما هي الحياة بالنسبة للأم عندما تفقد ابنها؟ بعد انتهاء الحرب كيف ستعود الحياة؟ لن تكون هناك حياة لي ولا لغيري".

- ظروف قاسية

من جانبها، تشكو المواطنة الستينية نوال الغماري من قسوة الظروف التي مرت بها جراء الإبادة الإسرائيلية.

وتقول الغماري وهي تقيم حاليًا بمدرسة "الزهراء" شرق مدينة غزة التي تعرضت للقصف الإسرائيلي أكثر من مرة: "استشهد زوجي في تموز/يوليو الماضي، جراء إصابته باستهداف إسرائيلي"، مشيرة إلى أنه "بقي ثلاثة أيام داخل المنزل شهيدًا دون أن أجد أحدًا ينقله للمستشفى ويدفنه".

وتتابع: "عند استشهاده وضعت عليه غطاء كما وضعت وسادة تحت رأسه، وقرأت آيات قرآنية".

وفي اليوم الرابع بعد استشهاده، تمكن نجله من إخراجه من المنزل قبل النزوح منه ودفنه، وفق ما قالته بصوتها المنهك.

وعن ظروف المعيشة تقول الغماري: إنهم في غزة صبروا على الجوع والعطش، لافتة إلى "وجود معاناة كبيرة في توفير الغذاء والمياه".

- انعدام الخصوصية

من جانبها، تقول المواطنة منى سلوت وهي أم لشهيدين وشقيقة لثلاثة شهداء وزوجة معتقل: "لم يبق لي معيل، أولادي وأشقائي وزوجي كلهم ذهبوا".

وتضيف سلوت النازحة من شرق خان يونس جنوب قطاع غزة: "عندما نزحنا من المنزل نحو مدرسة إيواء واجهنا ظروفًا صعبة، حيث الاكتظاظ داخل الغرف الصفية".

وتوضح قائلة: "في تلك المراكز تنعدم خصوصية المرأة تمامًا حيث تجد معاناة كبيرة في تغيير ملابسها أو استعمال دورة المياه أو الجلوس بمفردها".

وتردف: "كل صف فيه 50 فردًا على الأقل، لو أردنا تغيير الملابس لابد من أن نصنع ساترا من القماش لنتمكن من ذلك، أما دورة المياه والاستحمام فنحتاج لنحو ثلاثة أيام للعثور على مكان أو لتوفير المياه اللازمة".

سلوت وهي مريضة سكري تقول: إن "الدخان الناجم عن إشعال النيران باستخدام الحطب والنايلون يسبب لها حساسية في الصدر ما يدخلها بحالة صحية صعبة".

كما أصابها غسيل الملابس يدويًا، وفق ما تقول: "بأمراض جلدية من حساسية وحكة وظهور بثور غير معروفة، تتلقى إثرها حقنا في المستشفى".

- مخاطر صحية

وقالت الأمم المتحدة، في تقرير نشرته في 19 أيلول/سبتمبر الماضي: إن "التقديرات تشير إلى وجود أكثر من 177 ألف امرأة يواجهن مخاطر صحية مهددة للحياة جراء انهيار القطاع الصحي".

وأضافت: "بينهن 162 ألف امرأة مصابة بأمراض غير معدية أو معرضة لخطر الإصابة بها مثل مرض السكري والسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية أو ارتفاع ضغط الدم"، موضحةً أن "15 ألف سيدة حامل يقفن على شفا المجاعة، حيث يواجهن إلى جانب المرضعات مضاعفات شديدة ويعانين من الالتهابات وفقر الدم وارتفاع ضغط الدم".

بينما أشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية (أوتشا) في 20 أيلول/سبتمبر الماضي، إلى "وجود أكثر من 5 آلاف سيدة مصابة بالسرطان وغير قادرة على الحصول على العلاج".

- الأطفال

على مدار 12 شهرًا، مثل الأطفال أكثر شرائح المجتمع تضررًا حيث يتّمت الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل نحو 25 ألف و973، باتوا يعيشون بدون والديهم أو بدون أحدهما، وفق معطيات رسمية.

ومن بين إجمالي الشهداء من الأطفال البالغ عددهم 16 ألفًا و891، يوجد نحو 171 رضيعًا و710 أطفال أقل من عام، فضلاً عن وفاة 36 آخرين نتيجة المجاعة.

فقد الأطفال لذويهم دفع بالآلاف منهم لتحمل مسؤوليات أكبر من أعمارهم حيث خرجوا للعمل في الشوارع لتوفير لقمة العيش، وللوقوف في طوابير لساعات طويلة من أجل توفير المياه أو الخبز.

كما تعرضوا جراء الخوف والحزن المستمر لصدمات نفسية، حيث قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" في 3 أيلول/سبتمبر الماضي: إن أطفال غزة "بحاجة إلى الدعم المنقذ للحياة، لا يوجد مكان آمن للأطفال مع تفاقم الأزمة الإنسانية".

إلى ذلك، يعيش الأطفال ظروفًا لا يسع الآلاف منهم إدراكها من الجوع والعطش والبرد ونقص الدواء داخل خيام أو مراكز إيواء تخلو من مقومات الحياة الآدمية.

ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، تشن إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، حرب إبادة جماعية في قطاع غزة خلفت أكثر من 138 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.

وفي استهانة بالمجتمع الدولي، تواصل إسرائيل حرب الإبادة بغزة متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورًا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية ولتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.