رغم قناعتي الشخصية بعدم التوقف أمام دروس العام الأول من الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية، لأن دوامة الإبادة مستمرة، وتداعياتها ما زالت تتمظهر أكثر فأكثر، من خلال توسع وتعاظم آفاق حرب الأرض المحروقة في فلسطين التاريخية ودول المحيط العربي عمومًا، ولبنان الشقيق خصوصًا، وتكشف القيادتان الأميركية وأداتها الإسرائيلية عن أهداف جديدة قديمة. لكن بعض المنابر السياسية والإعلامية والأكاديمية ارتأت التوقف أمام محطة العام الأول لاستخلاص أبرز وأهم الدروس. وبالتالي استجابة للنخب المختلفة، سأحاول وضع أبرز النقاط العامة، وسأبدأ بالبعد الإسرائيلي:

- أولاً إسرائيليًا: كشف 7 تشرين أول/أكتوبر 2023 أن إسرائيل النازية، دولة هشة، ولا تقوى الدفاع عن نفسها لوحدها، رغم كل الأسلحة التي تمتلكها.

- ثانيًا: السلاح الأهم حتى اللحظة في اليد الإسرائيلية، هو سلاح الطيران الحربي، وباقي الأسلحة البرية والبحرية والدفاع الجوي والأسلحة النووية على أهميتها يمكن مجابتها والانتصار عليها. لا سيما وأن السلاح النووي يمثل عبئًا عليها، بقدر ما يستجيب لنزعاتها النازية.

- ثالثًا: أكدت الحرب المجنونة أن المجتمع الإسرائيلي، مجتمع ضعيف، يعاني من أزمات حادة سياسية واقتصادية مالية وأمنية عسكرية واجتماعية وثقافية ودينية، والانقسام بدا واضحًا عموديًا وأفقيًا، رغم أن دوامة الحرب وحدتهم وفرقتهم في آن، وتجلى ذلك بين مكونات الحكومة والكابنيت، وبين الفريقين السياسي من جهة والعسكري الأمني من جهة أخرى، وبين شرائج وفئات المجتمع الإسرائيلي بين التيار الحريدي المتطرف والتيار العلماني، بين المناصرين لإبرام صفقة تبادل الأسرى والرهائن الإسرائيليين والفلسطينيين، والمضحين بهم.

-رابعًا: أكدت الإبادة الجماعية على الشعب العربي الفلسطيني وأخيرًا على الشعب اللبناني، أنه لولا تدخل قيادة الغرب الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة في الحرب ما كان لإسرائيل أن تقف على أقدامها، وهذا ما أكده الرئيس جو بايدن.

- خامسًا: حققت إسرائيل ومعها الولايات المتحدة وحلفائهم من الغرب هدف أساسي واحد، إدماء وإبادة الأطفال والنساء والشيوخ من أبناء الشعب الفلسطيني عمومًا وفي قطاع غزة خصوصًا حيث بلغ عدد من استشهد وجرح ومفقود ما يزيد عن 160 ألفًا، وأحداث دمار زلزالي هائل وكارثي وغير مسبوق في الحروب الإقليمية والعالمية المعاصرة، فدمرت الحرب المنفلتة من عقال القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي نحو 85% من معالم الحياة المدنية في مجالات الحياة المختلفة.

- سادسًا: لم تحقق إسرائيل أي من أهدافها المعلنة في الحرب المتوحشة، ولم تستطع أن تسترد الرهائن الإسرائيليين، ولم تتمكن من تهجير الفلسطينيين قسريًا، ولم تستطع خلق أداة فلسطينية بديلة عن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب، ولا بديلاً عن قيادة دولة فلسطين وحكومتها الشرعية.

-سابعًا: رغم استخدام وسائل الإبادة المتعددة العسكرية والاقتصادية والحصار وتقنين إدخال المساعدات الإنسانية، وحرب التجويع ونشر الأمراض والأوبئة والاعتقال الإجرامي النازي والسادي لآلاف المواطنين الفلسطينيين والاغتصاب والتعذيب غير المسبوق، باءت أهدافها بالفشل المريع.

- ثامنًا: كشفت إسرائيل عن توسع أهداف الإبادة الجماعية، بأن حربها تستهدف تغيير خارطة الشرق الأوسط، ولا تقتصر على فلسطين أو لبنان، إنما إعادة هيكلة الإقليم ككل، كجزء من مخطط وأهداف الغرب الامبريالي بقيادة الولايات المتحدة، وهذا مشروع قديم جديد باء بالفشل خلال العقود الخمسة الماضية.

- تاسعًا: ما زالت إسرائيل تعيش عقدة عدم بلوغ العقد الثامن، التي تسكن مختلف النخب القيادية السياسية والعسكرية الأمنية والدينية والاقتصادية والثقافية.

- عاشرًا: ازدياد واتساع دائرة العزلة العالمية، وافتضاح مكانتها كدولة إبادة جماعية وتطهير عرقي وبخاصة في أوساط الرأي العام العالمي الرسمي والشعبي وتحديدًا في أوساط النخب الطلابية في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.

- إحدى عشر: وقوفها لأول مرة أمام محكمتي العدل والجنائية الدوليتين، وإصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، وإصدار محكمة العدل الدولية فتواها بشأن الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي، باعتباره استعمارًا باطلاً وغير شرعي، وطالبتها بالانسحاب الفوري من أراضي دولة فلسطين المحتلة عام 1967 خلال عام وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبانتظار إصدار فتواها بشأن دعوى الدولة الصديقة جنوب افريقيا بتحديد طابع حربها، كحرب إبادة جماعية.

- إثنا عشر: مضاعفة أعداد سكان دولة إسرائيل الراغبين بالهجرة، حيث أظهرت استطلاعات الرأي الإسرائيلية استعداد ما يزيد عن ثلث المستعمرين الإسرائيليين بالهجرة منها. فضلاً عمن هاجر منهم، ويعتقد أن عددهم فاق النصف مليون حتى الآن.
وللحديث بقية عن العوامل الأخرى.