لم أعتقد أن الإرباك الداخلي أو الارتباك لدى جماعة أو حزب أو شخص يؤدي لفقدان البوصلة ، وأن قلة الحيلة وضعف الحجّة، أوعدم الوعي وسوء التحليل أو القصد قد تؤدي لاستنزاف القوة في اكتساب الأعداء  بدلا من كسب الاصدقاء أو كسب الخصوم كأصدقاء.

وما ظننت أن مأزوم يتهاوى تحت ضغط مشاكله لا يبحث عن حل لأزمته، بل يسعى لتصعيدها ، والمكابرة بالادعاء أنه في خير حال.
لقد قامت حماس بشن حرب إعلامية ضد حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح وضد السلطة الفلسطينية ، وإن لم يكن في ذلك جديد كما يعلم الجميع فهي حرب مستمرة من سنوات، على الأقل في ظل وجود تيارات فوضوية إقصائية في حماس غزة ، ولكن الجديد هو أنه في ظل أزمة حماس الحالية التي لا يعني عدم اعترافها بها شيئا ، وفي ظل الإرباك نتيجة المتغيرات الاقليمية الصعبة التي دعت قيادة حماس بالخارج الى الصمت، يخرج علينا البعض في حماس-غزة ليشتم ويتهم ويخوّن في ذات الاسطوانة المملة المكرورة.
 
أجد من الضرورة بعد أن طفح كيل الشتائم الشخصية والتنظيمية القول أننا بآليات الردح هذه نخرج أخلاقيا من أثوابنا، وتصبح اللحى في وجوهنا أو الصلاة في حياتنا أو البر في أعمالنا عبارة عن مظاهر أوحركات لا تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهل هناك أفحش من شتم الإنسان أخيه.
 
يقول مشير المصري في قناة القدس (وهي القناة والأخرى الصادرة من غزة اللتان اتخذتا موقعا معاديا من ثورة 30 يونيو في مصر ، ومارستا مع غيرهما من المحطات التابعة للإخوان تحريضا سافرا حتى الآن ... رغم انكار بعض قادة حماس اللفظي في غزة لذلك ما لا أهمية له في الواقع) كلاما لا يدلل على وعي بمخاطر الإنحراف بالحوار الى مهالك الشخصنة، أو التعميم باتهام الكل بالبعض،وما يقابله من تنزيه وطهارة حصرية.
يتحدث المذكور وغيره ممن سبقه عما اعتادوه للأسف ولا يستطيعون إلا تكراره من اتهامات وشتائم وفحش ولعنات هي نفسها التي أدت لإيجاد الكوابح النفسية للمصالحة بل وكانت من أهم معطيات التعطيل المقصود للمستفيدين في حماس من الوضع اللاوطني القائم ، الذي يدمر البلاد والعباد.
يقول المذكور أن حركة فتح (تستقوي بالواقع الاقليمي والعدو الصهيوني) متهكما على حركة تمرد في القطاع، ثم يحاول تشخيص حالته بإسقاطها على حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح التي (تعيش حالة من التخبط)،وتعمل-على حد وصفه- على تحقيق مصالح حزبية وفي أجواء (للتغطية على بيع الوطن من خلال المفاوضات) ويؤكد لمن لم يفهم أن حركة فتح (تراهن على الاحتلال).
 
  ويتمادى بشكل سافر مهددا ومتوعدا إذ يقول ما نعفّ عن وصفه من خطل مخاطبا كل حركة فتح وليس شخصا فاسدا مثلا أو جماعة منها يختلف معها:(جربتم حظكم وحاولتم العودة على ظهر الدبابة الصهيونية الى قطاع غزة وفشل العدو الصهيوني في حربه على القطاع)، ولمن لم يفهم قصة الدبابة الصهيونية وحركة فتح حسب اتهاماته الدالة على حقد وبغض مرير للأسف بل وارتباك وتخبط نفسي هو من تعيشه مواقفه، وليس عن وعي أو فهم، يؤكد المذكور أن حركة فتح (حرضت الاحتلال في حربه على القطاع) رابطا ذلك بوثائقه التي ثبت تزويرها والتي أشار لها كدليل إدعاه لاتهام حركة الشعب الفلسطيني أنها سعت (لشيطنة حماس عبر وسائل اعلام مصرية)، وكأنها بحاجة لذلك فالإناء بما فيه ينضح.
 
أن يكون الشخص مرتبكا أو حاقدا أوفاقدا للبوصلة فهذه حالة عصبية وعليه التعامل معها، أما أن يعكس هذه الحالة على جماعته أو أن يكون التنظيم أو التيار مرتبكا فعلى العقلاء أن يدقوا ناقوس الخطر فيه، وأن يسعى البعض (أهم قله أم كثرة؟) من الجماعة أو التنظيم تحت ضغط أزماتهم وسوء تحليلهم ومنطلقاتهم لكسر جسور التفاهم مع الآخرين ، وشن حملات الإرهاب الفكري والتزوير فهذا ما يستدعي مراجعة ذاتية ونقد داخلي لم تعتد عليه جماعة الاخوان المسلمين وحماس منذ نشأتها، إذ لو كرس المذكور وزمرته وقتهم لأنفسهم وتنظيمهم ووطنهم مستخدمين وِرد "الاخوان" بمحاسبة النفس كمثال لربما كان الحال غير الحال.
 
إن الشخص أو التنظيم الذي يظن القداسة أو الصواب المطلق صفة ملازمة له حتى لو ارتكب مختلف الشرور والقبائح والرذائل الدينية أو القومية أو الشخصية لن ينال إلا لعنات الجماهير والتهاوي أمام الضربات، ولن يفقد إلا نفسه، ولا بديل لمن يبتغي الاستمرار من ممارسة النقد الذاتي ومحاسبة النفس بقسوة.
 
المذكور نفسه إذ يحاول إسقاط فشل تحليله ونظرته ومواقفه على الآخرين والإيحاء بعكس المضمون يقول أن (عباس مصرّ على إقامة دويلة في الضفة) موضحا أسباب هذا التحليل العظيم أنه (يأتي في إطار مخطط أمريكي صهيوني فتحاوي) متجاهلا أن من افتض بكارة الوحدة الوطنية بالانقلاب العسكري عام 2007 في غزة كانت منظمته وبما اسمته هي "الحسم العسكري"، ومازال هو وتياره يتشبثون بالانقلاب والانتخابات (لمرة واحدة) التي انتهى مفعولها وصلاحيتها منذ ثلاثة أعوام تقريبا دون أي مؤشر على القبول بتكرارها.
 
أما سيل الشتائم التي يترصدها المذكور تحديدا فهي طويلة ولكن نقتطف من لقاء له سابق أنه اتهم الحركة بأنها (متخلفة وفاشلة وواهمة وصبيانية).
وإن ذكرنا في السياق كتنويع فقط مروان أبو راس وهو الشخصية المحورية في حماس التي أفتت مع يونس الأسطل بالقتل في انقلاب عام 2007 في غزة فانه يطل علينا بتصريحاته الملتهبة ليصارع المصري في أحاديثه، وكما هي عادة التيار المتشدد والمستفيد في حماس غزة.
 
  إذ يحاول "المفتي" التغطية على سوء المنقلب في غزة نتيجة افتاءاته بالقتل التي بدلا من أن يتطهر منها ويتبرأ يعود ليؤكد ارتكابه للفاحشة إذ يقول منذ أيام على قناة القدس أن مساندة حركة فتح لما أسماه إنقلاب مصر جاء لأنهم – أي حركة فتح – قاموا (بالانقلاب على الشرعية عام 2006 بعد الانتخابات مباشرة) مدافعا عن الاعتقالات في غزة بشراسة ومتهما السلطة بها، وهذا مما هو معتاد لغير المنصفين فكيف ب"المفتي".
 
إننا ندعو العقلاء وهم موجودين في حماس أن يكبحوا جماح الأشخاص الساعين للتوتير الدائم في المحيط ، والداعين للفتنه ، والراغبين بفشل الفلسطيني ، والذين يقتلون مشروعنا الوطني بحماقات مواقفهم بعلم منهم أو دون علم، أو لقله وعيهم أو لرغبة باسقاط أسباب فشل رؤاهم وخططهم ومواقفهم على الخارج دون رغبة في تنظيف الذات والنقد ، وندعوهم للتدريب على لغة خطاب جديدة وبلسان جديد ، يحترم المخالف أو الآخر، فلقد سقطت هالات القداسة وادعاء المقاومة الحصرية، واللعب على وتر الدين.