الديمقراطية أو الشوروية فكر متغير لأنه بالأصل سبيل أو وسيلة ولها مخاض من أيام الرومان وأثينا حيث الديمقراطية المباشرة....الخ، ولما جاء الاسلام لم يضع شكلا محددا للحكم (ولاية الأمر) أبدا لأن الحكم والقيادة والادارة فكر اجتماعي-سياسي متغير بتغير الانسان وأدوات تفكيره وأحواله فكانت الشورى (بشكل عام)، وفي آيتين فقط، وكان للخلفاء الراشدين للرسول صلى الله عليه وسلم أن اجتهد كل منهم بطريقته، فالفكر الانساني نظر في الأحوال غير ثابت ومتغير.
  وإذ أكرم الله الانسان بالعقل فحمله في البر والبحر فانه –أي الانسان- كان ظلوما غشوما لان ذا اللب يشقى بالنعيم بعقله وأخو الشقاوة في الجهالة ينعم، والانسان كما قال  فيه خالقه جل وعلا "ظلوما جهولا" جزوعا منوعا ...الخ  (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً)، فبدلا من أن يكون حامدا مسبحا صافي الذهن مقترب من ربه دوما، لم يقتدي بالسماوات والأرض فقبل حمل الأمانة المعروضة فكان جهولا لأنه لا يعلم مدى عظم الأمانة ومستلزماتها الشاقة التي تستدعي مطلق التفكير وحريته واكرام الفكر، وما يصاحبه من عنت وجهد واختلاف وتعدد ورعاية واجتهاد متغير بتغير الواقع والوقائع.
  لقد اختار الانسان الأمانة فنزّل الله الميزان (والسماء رفعها ووضع الميزان) وهو العقل والتفكير (بأحد تفسيرات المصطلح)، وهو التوحيد والسراط في تفسيرات أخرى، لذا فالإنسان اختار أن يتعب بأن يفكر وببساطة "اختار أن يختار" من متعدد، معتقدا أن إكرام الله له هو تفضيل على الكائنات بدرجات وما هو ذاك، إذ أن الكرم بتخصيص هبة من الله للانسان ليس أفضلية بقدر ما هي تخصيص ومسؤولية ومهمة موكلة، كما هو التخصيص لبني اسرائيل في الزمان والمكان المحدد إذ فضلهم حينها بالايمان والدين الذي شاقّه غالبهم فانتزعت الصفة منهم.
ما أود قوله في هذا التأمل أن لا خوف أبدا من متغيرات الشوروية (=الديمقراطية) وحملتها، فهي أسلوب وشكل متغير، وما هي إلا ذاك، وليست عقيدة أو فكرانية. كما نص القرآن العظيم على الشورى كأسلوب ولم يضع قواعدها لأنه أي الخالق جل وعلى جعل العقل للانسان باختياره دلالة على متغير الحال وامكانية استحداث أي فكرة جديدة نتيجة حسن (أو سوء) النظر في المتغيرات.

 وما نعود به على الأفضلية والتكريم، فان الخلق عامة مأمور بالطاعة وما خُلقت الجن والانس الا ليعبدوا الله (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ، العبادة بمعنى الطاعة والإخلاص والتوحيد من جهة وبمعنى حسن العمل وتحقيق معنى الاستخلاف باقامة الدين بخدمة الناس والتفكر وإعمار الأرض من جهة ثانية، فان كانت العبادة مقصد كل شيء بهذا الفهم فان الكائنات تفضل الإنسان (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُ) أي الحجر الشجر والحيوانات والريح والسحاب....الخ الا البشر والجن الذي أعطي العقل فإما يختار التسبيح والعبادة والقرب من الله وإما يختار شيطانه، (ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس)، (لاحظ هنا كلمة كثير من الناس في الآية الكريمة وليس كلهم كما كل الكائنات فمن الأفضل هنا؟) وقال تعالى : (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء)
  قالت السماوات والارض لله عندما أرادهما أن تأتيانه طوعا أو كرها قالتا جئنا طائعين (فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) ، جاءتا طائعين بالجمع وليس مثنى مذكر أو مؤنث أي بالنيابة عن كل ما هو في باطنهما أي بالنيابة عني وعنك.
  اذ اننا ممثلين بمجلس العالم (برلمان الدنيا) عبر الأرض والسماوات على فرضية أننا سنطيع ونمتثل للواحد الأحد مثل الأرض والكائنات، وفي هذا حدب ومحبة ولكن الله أعلم من مخلوقاته بهذا البشر، أي نحن.

ومن هذا المنطلق أرى أن لا خوف من متغيرات الحال السياسي أو الاجتماعي أوالاقتصادي (هذا من زاوية روحية ايمانية طويلة الأمد) بأي وسيلة شوروية (=ديمقراطية) أم ملكية أم استبدادية أبدا ، والخوف الحقيقي من التيارات الخارجية (كانت فرقة الخوارج من مجموعة هامة من الشيوخ الأتقياء ومن كبار حفاظ القرآن لكنهم انحرفوا بالفكرة والأسلوب...) أو الاسلاموية التي تغتصب الدين وتشوهه في عقول المسلمين.
 إن الاسلام العظيم لم ينتشر بالسيف والعنف كما يدعي البعض، حيث قد تبنى الممالك والدول بالسيف والحرب نعم، ولكن موقع الدين هو القلب. فمن لم يمس الدين والله شغاف قلبه فهو وإن سمي مسلما على هامش الدين.
والإسلام انتشر بنماذج مشوقة ومشرقة حافظت على كرامة الانسان وحرية خياره وتفكيره أذكر منها 5 نماذج، أولا أنه انتشر خارج الجزيرة العربية بالدعوة عبر الرسائل إذ أرسل نبينا الكريم رسائل الدعوة للإسلام للملوك في زمانه ليفتح مغاليق فكرهم ويحرك قلوبهم باللطف، وينازعهم استبدادهم ليستبدلوه بالتفكر ورحابة الايمان، ولم يطلق سهام الحرب عبثا، أويعتدي فالله لا يحب المعتدين، وفي نص أحد رسائله الجليلة يقول ( بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الإسلام إلى النجاشى ملك الحبشة: سلام عليك إنى أحمد الله إليك ،الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى فخلقه الله من روحه كما خلق آدم بيده، وإنى أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل، وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصحى، والسلام على من اتبع الهدى.) وهكذا سار الكثير من حكام المسلمين.
 أما ثانيا فانتشر الإسلام بالثقافة المنفتحة كما حصل في اسبانيا (الاندلس) ومن ورائها أوربا، ومع المغول الذين صدموا ايجابا بالحضارة العربية الاسلامية الرحبة فأسلموا.
  أما ثالثا فانتشرالإسلام العظيم بفكر المحبة عبر صوفية الشمال الافريقي ففتحوا جنوب الصحراء الكبرى في افريقيا بالمحبة والزهد والسماحة لا بالعنف.

  ورابع الأساليب أن الاسلام انتشر بالخلق القويم وحسن المعاملة كما يردد دوما رسولنا الكريم، فيما فعله العمانيون واليمنيون والعرب عامة عندما دخلوا اندونيسيا وماليزيا.
 وخامسا اليوم حيث ينتشر الاسلام في أوربا وأمريكا وغيرها من الدول ليس بفكر الانغلاق والتشدد والارهاب، وانما بسماحته وبدلالة القرآن العظيم الذي أصبح متيسرا عبر الشابكة (=الانترنت) والفضائيات.

 أمع كل هذا نخاف الآخرين؟ ومتغيرات الحال على ديننا؟ ونظن أن فئة دون غيرها اختصت به؟ وهو في اللوح المحفوظ؟! ام الخوف كل الخوف من أشباه فرق المعطلة والمشبهة والمجسمة والخوارج والمتنبئة من فرق المسلمين الضالة، تلك التي خرجت عن الملة طوال أكثر من ألف عام وهي اليوم سراب كما سيحصل مع مثيلاتها اليوم.

 إن الاسلام حاضنة كبرى للفكر الانساني الرحب ترعاه وتضبطه وتحرره من قيود الاستبداد الأرضي وتحفظ كرامته وحريته، والاسلام هو حاضنة كبرى للحب الانساني (لله والكائنات والبشر...) تنميه وتدفعه، وحاضنة كبرى للنفع الانساني (خير الناس أنفعهم للناس) فمن أنا إن لم أنفع الناس؟ ومن أنا إن جعلت من الشعارات هدفي؟ ولازمت التكبر فجعلته قريني مع أن المتكبر والجبار والمهيمن فقط هو الله، لا أي من مخلوقاته.