يعتقد الكثيرون بأننا بتنا ومع تسارع الأخبار في محيطنا العربي أشبه بالأموات معنوياً لكثرة الدماء ومشاهد الأطفال والنساء القتلى وبشاعة المواجهة وحجم الدمار وما يصاحب كل ذلك من حالات التعوّد التي باتت تنتابنا.

فما كان مزعجاً ومقززاً قبل أعوام بات الآن عادياً ومقبولاً من كثرة تكراره. بل لم يعد العنوان مهماً طالما أن المشهد متكرر أكثر من غيره ويضم غباراً ودماءً ومركباتٍ محترقة ورمادا وصيحات.

ومع كل هذا وذاك فإن الاهتمام بمحتوى المشهد المؤسف والقضية التي يتناولها تبدأ بالتراجع ليس لأننا فقدنا الإحساس والمشاعر بل لأننا بتنا ضحايا التكرار الذي يعطي الانطباع بأن مشاعرنا وعواطفنا باتت ميتة.

اليوم حرمة العربي في موته غائبة واشلاؤه ودمه مشهد يومي يراه الجميع ونكبته اليومية وانتكاساته المتتابعة صارت حاضرة في نشرات الأخبار.

نعم انه جنون الفوضى التي أرادها البعض، فبغداد ودمشق تنفجران والقاهرة تحترق وتونس وصنعاء تضيعان والقدس تهود وطرابلس تتوه وغزة ورام الله تنقسمان وبيروت تشتعل بينما يزدهر الاحتلال الإسرائيلي على إيقاع هذا الصخب وديمقراطياتنا الإقليمية البائسة التي عاشت كل فصول العام لكنها لم تمطر إلا دماً وكراهية.

أطفالٌ بعمر الورد مكفنون مصفوفون في أرتال الموتى بالمئات في موت وأد طفولتهم واحلام أمهاتهم وكرامتنا جميعاً. نحن نموت كل يومٍ ننطرح مستسلمين فيه أمام صراع الفضائيات وصولاتها وجولاتها فهل انتهت آدميتنا!

وحشية الجشع وصراع السلطة وحرب الكراسي وحروب الطائفية ونار القسمة وتغرير الراعيين هي من قتلت رونق التغيير ولوثت الربيع ببؤس التجربة!

المشكلة أن قلوبنا التي تموت لم تعد حتى تكترث لأطفالنا فيما يشاهدون. فنحن تنفجر مراراتنا وهم تختنق قلوبهم بمشاهد الاستباحة والتنكيل فيتخبط الكل بلؤم الكل أو ربما جهله أو عدم اكتراثه.

اليوم يفقد العالم كله آدميته في حرب المكاسب ومؤازرة الكاسب ومناصرة السالب لحقوق الإنسانية. عالمٌ يميز بين إنسانٍ وإنسان حسب العرق والهوية فلو مات البعض لقامت الدنيا ولم تقعد ولو مات سواهم فلا قيمة لهم.. حرب الأشلاء على أشلاء الكرامة ومعركة الدم على روابط الدم وبين هذا وذاك صرنا كما الأموات أمام الشتات.. والباقي يتبع!