كل عام وفلسطين، وطناً وقضية، حيّةً في قلوب الناس.لن نتزيّد في التمني، فنطلب أن تكون القدس في العام المقبل محررة، وأن تكون كل الأمانيتحققت في العيد التالي. ربما لو جربنا مرة، عند تبادل التبريكات، أن نرسم أماني متواضعةوأن نتبادل تهاني منقحة، كأن نقول اللهم اجعلنا نبلغ العيد العاشر بعد هذا الذي نحنفيه، وقد لاح في آفاقنا بصيص أمل، يؤنس وحشتنا، كقنديل خافت، يترجرج ضوؤه في سقيفةبعيدة. فما نحن بصدده، ليس سوى دُنيا مقفرة، تصحرت وتوحشت فيها التضاريس، وسُمع عواءالكواسر وعويل الثدييات. أما الخير، الذي نرجوه لبعضنا بعضاً في عشية كل عيد أو فيصبيحته؛ فهو غير قابل للصرف، بخاصة أن فيه نفاقاً حتى في العبارات البريئة. فلماذايُعيده الله على الأمتين العربية والإسلامية باليُمن والبركات؟ وما هو اليُمْنُ علىوجه الدقة، إن كان معناه بشارة الخير؟ وفي ظل ما تشهده الأمتان، من صراعات واحترابوانقسامات وتعارضات، ما هو المقياس التوافقي للخير واليُمْن، الذي تتراضى عليه الأمةفي كل الأمصار؟!

بل عندما نقول أعاده الله على شعبنا بالخير، فإن هذاتعميم لا يوافق حقيقة المأمول، وهو أن يُعيده الله على الأخيار الصالحين الوطنيين،والصادقين من كل مشرب فينا، بكل خير، وأن يبدد سبحانه، شمل الفاسدين منا والعملاء والكاذبينوالانقساميين، وذوي الضغائن والفتن، والمتربحين بالحرام ومن مال السُحت، أيّاً كانوا.اللهم لا أعاد عليهم العيد، بأي خير أو يُمْن!

التهاني الرسمية، أكثر نفاقاً وأعلى بلاغة. وبتكرارهاعاماً بعد عام؛ فقدت اللغة معناها وباتت عُفاراً لا يراكم حقيقة ولا موقفاً ولا سلوكاً.الجميع يعبّر للجميع، عن تمنيات لفظية عريضة محمّلة بكل جميل وسعيد. لكن الخَوزَقة،والشُح، والنكران هي ضوابط السلوك وثوابته، حتى وصلنا الى هذه الحال. تتنادى عليناالأمم مثلما تتداعى الأكلة على قصعتها، وبتنا بغير قيمة لا يحسب لنا الآخرون حساباً.في ليلة وقفة عرفات، سافر المحتلون بطائرات محملة بقنابلهم المدمرة، ليقصفوا السودانويحرقوا منشأة صناعية تزود جيشه بذخائر للذود عن حياضه في وجه الطامعين. وفي رحلة القصفهذه، يوم وقفة عرفة، قطعوا الطريق من ممرات داخل الجغرافيا العربية، بينما لم يجد السودان،سوى استعارة العبارة الأسدية التي تَعِدُ بالرد في الزمان والمكان غير المعلومَين،فيما أصحاب براءة اختراع العبارة، يبلغوننا في كل لحظة، بمكان وزمان ووقائع القصف العاجل،في بلادهم وبمواعيد إنزال الحمم القاتلة على شعبهم.

ترشيداً للأمنيات، واكتفاءً بتهانٍ منقحة، نتضرع الىالله، أن يحل عيد الأضحى المقبل، وقد تكلل بالنصر جهد الثائرين في سوريا، واندحرت الآلةالتي تفتك بالأبرياء في هذا البلد الشقيق المعطاء، وانتقل النظام المجرم المستبد الفاسد،المُلوث الأكبر للبيئة العربية، الى مكانه الطبيعي في مزبلة التاريخ. وبخلاف ذلك، نتمنىأن يحل العيد في السنة المقبلة، وقد لاح في الأفق، بصص أمل، كضوء قنديل ينبعث من سقيفةبعيدة في هذا الدُجى. وسيظل من بين التمنيات القليلة الواقعية، أن تبقى فلسطين، وطناًوقضية، حيّةً في قلوب أبناء الأمة وأحرار الدنيا، وأن تظل الصهيونية مذعورة مأزومة،مهما امتلكت من عُدة الحرب. كل عام ومن يستحقون الخير بخير. كل عام والشرفاء الطبيعيونوالمظلومون، أقل ألماً وأوسع رؤية وأعز شأناً!