المشهد في المنطقةبوجه عام غارق في الضجيج والفوضى، وكثيرون تحت سقف هذا الضجيج والفوضى يفقدون القدرةعلى التركيز، ويتوهون في الدروب المنبثقة، ويضعون ثقتهم، ولا يسمعون الا ضجيجهم، ولايرون الا أنفسهم في المرآة، فتزيد الفوضى ويزيد التخبط، أنظروا الى الوضع في سورياوهزاته الارتدادية، وانظروا الى لبنان وشبح الحرب الأهلية، وانظروا الى الأوضاع فيمصر، والى هذه الزيارة غير المفهومة للأمير القطري الى غزة، وعربدة اسرائيل التي تسابقالزمن ثم تكتشف بعد كل عربدة أنها تواجه الأسئلة الأولى، هذا المشهد وصفه الرئيس الأميركيالسابق جيمي كارتر بدقة متناهية حين أكد في تصريحاته الأخيرة، أن لب الصراع في الشرقالأوسط هو القضية الفلسطينية وتداعياتها، وأنه لا أمل في الأمن أو الاستقرار في المنطقةالا باعطاء الفلسطينيين حقوقهم في اقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. 

تصريحات كارترسوف تصدم الكثيرين سواء في اسرائيل أو في العديد من الدوائر الأميركية، كما ستصدم بعضاللاعبين الجدد في المنطقة الذين يظنون أن اللحظة حانت، وأن الحالة الفلسطينية وصلتالى أقصى درجات الضعف، يتقدمون للعب الدور الذي يطمحون اليه، غير عارفين بعمق الحقائق،بان اللعب بنيران القضية الفلسطينية يحرق الأصابع. 

هناك فرق كبيربين أداء الأدوار في صلب القضية الفلسطينية، أو اللعب في الهوامش، واختارت القيادةالشرعية الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس أبو مازن أن تذهب الى صلب الموضوع، أي تصعيدالكيانية الفلسطينية، واعادة حضور فلسطين في دولة مستقلة فوق الأرض الفلسطينية وليسفي أي معادلة أخرى، وهذا هو الجهد الذي يستخدم في استمرار طرق أبواب الأمم المتحدةللحصول لدولة فلسطين على عضوية بصفتها دولة تحت الاحتلال وليست أرضا غامضة الهوية،هذا هو صلب المعركة، وهذا هو طريق الجهد الحقيقي. 

و لكن هذا الجهدالحقيقي الذي تركز عليه القيادة الشرعية الفلسطينية يقاومه أطراف متعددون، على رأسهماسرائيل نفسها، التي تعربد الى أقصى درجات العربدة، وتريد للمصير الفلسطيني والحق الفلسطينيأن يتجدد بارادتها هي ووفق طموحاتها، وهذا هو السر وراء هذه الهستيريا غير المسبوقةالتي تمارسها اسرائيل ابتداء من لغة الترهيب والعدوان وصولا الى الذهاب الى الانتخاباتالمبكرة، فاسرائيل لديها الهاجس الأصلي بأن نجاح فلسطين في الخطوة المقبلة، بالتصويتفي الجمعية العمومية لصالح عضوية غير كاملة هو بداية اقصاء اسرائيل عن التحكم في المصيرالفلسطيني!!! وربما تقف الادارة الأميركية الى جانب اسرائيل في هذا التطور، ولكن فينهاية المطاف اذا نجح الفلسطينيون في مسعاهم فسوف نجد أميركا نفسها مضطرة للتعامل معالحقيقة الفلسطينية بطريقة أو أخرى. 

وخوفا من ذلك: 

فان اسرائيل وحليفتهاالكبرى أميركا تزج داخل الملعب بلاعبين ما كان لهم أن يتورطوا في هذا الدور السيئ،أطراف يريدون أن يقطعوا أوصال الحقيقة الفلسطينية، استثمارا لطموحات غير مشروعة عنهؤلاء اللاعبين، ويتم ذلك عبر العزف على وتر غزة، وانفصالها الجغرافي عن بقية فلسطينبسبب نتائج النكبة، ليحولوا الانقسام الجغرافي الذي يمكن تلافيه بصيغ متعددة، الى انقسامسياسي يكرس حالة الانفصال بتوليد كيان جديد، وهذه هي الفلسفة التي قام عليها قرار الانسحابأحادي الجانب من قطاع غزة في خريف 2005، وهو الانسحاب الذي أسس لعملية الانقسام الذيوقع في صيف عام 2007، مع مزيد من الضغط الاسرائيلي باجبار قطاع غزة على التوجه الىسيناء، والخروج من السياق الفلسطيني، وهذه واحدة من نقاط الاشتباك الدائر الآن. 

نجدد نحن فلسطينياتكريس كل حركة وسكنة لنرى ان كانت الممارسات تصب في هذا الاتجاه أم في اتجاه تكريسالمصير الفلسطيني الواحد. 

زيارة أمير قطرالى غزة، ورغم عناوينها الاقتصادية أو الاغاثية الظاهرة، ولكنها أثارت عشرات الأسئلةالمتعلقة بعمقها السياسي، هل كانت خطوتها متبصرة؟ هل جرى بشأنها حوار معمق مع كل الفلسطينيينومع رأس الشرعية الفلسطينية؟ هل التوقيت في سياق الضغط الذي يمارس من اسرائيل وأميركاأم في سياق الدعم؟ لماذا لم تأت الزيارة من باب الشرعية الفلسطينية، ولماذا التسرعكما لو أن ما قبل التصويت في الجمعية العامة يجب أن يكون مصدر قلق وتوجسات؟ 

يوم الثلاثاء،أمس الأول، نجح الوعي الوطني الجمعي في قطاع غزة في ارسال الرسالة الصحيحة، أهل قطاعغزة قاطعوا الزيارة ليس كراهية في قطر الشقيقة، ولكن تعبيرا عن القلق من الخطوة المفتعلة!!! 

شكرا لغزة التيدائما تنجح في الاجابة عن أسئلة الاختبارات الكبرى، وخاصة تلك المتعلقة بالمصير، فقدقال أهل قطاع غزة على طريقتهم الخاصة بأنهم جزء من هذا المصير الفلسطيني وليس خارجهذا المصير، أعتقد أن الرسالة وصلت، وأعتقد أن سمو أمير قطر الشقيقة، والوفد المرافقله، سيقرأون الرسالة بتمعن وتلخيص شديد، فقد قالت غزة بصوت هادئ وعميق بأنه ليس هكذاتورد الابل!!! 

وأن الأبواب مهماكانت بحاجة الى الاعمار والترميم والمساعدة فان لها أبوابا ويجب أن تؤتى البيوت منأبوابها وليس من الفجوات التي أحدثها الدمار. 

شكرا يا غزة ياعصية الدمع وأصيلة الانتماء، وشكرا للرئيس الأميركي الأسبق الذي في وسط الضجيج أطلقطلقة لكي ينتبه الجميع الى الحقيقة الأولى، وكي يعودوا الى نقطة البداية، فلسطين هيصلب الصراع، والصراع له حيثياته ولا تحل في اللحظات الخانقة والاحتقانات الصغيرة.