لا يختلف اثنان من الفلسطينيين على أهمية إعمار قطاعغزة ودعم شعبنا المنكوب فيها من الحصار الإسرائيلي ومن سيطرة 'حماس' التي جلبت الكوارثعلى الشعب الفلسطيني، ولكنّ هناك فرقاً بين الإعمار وبين هدف زيارة أمير دولة قطر التيتحولت بقدرة قادر إلى دولة عظمى تقرر مصائر دول المنطقة إلى درجة أن أميرها ورئيس وزرائهيصدقون أنفسهم وهم يعلمون أنه دور تخريبي كلفت به قطر من سيدتها الكبرى الولايات المتحدة.ولو أن الناس لا يعرفون تاريخ قطر ودورها في خدمة المصالح الأميركية – الإسرائيلية،لكانوا ظنوا أن الأمير حمد ما هو إلا جيفارا القرن الواحد والعشرين. 

لو كانت قطر معنية فقط بإعمار غزة كان يمكن أن تكتفيبإرسال الأموال فقط بدلاً من القيام بزيارة لها مغزى سياسي من الدرجة الأولى، ولسناأغبياء لكي لا ندرك الأبعاد السياسية لهذه الزيارة، وهي أبعاد خطيرة للغاية على القضيةالوطنية الفلسطينية. فهذه الزيارة تهدف إلى فك العزلة عن حركة 'حماس' وليس الحصار عنالقطاع لأن من يحاصر القطاع هو إسرائيل. وهي من حيث المضمون تدعم تكريس واقع الانقسام،بدلاً من المساهمة في التوصل إلى إنهائه، فقد تخلت قطر عن اتفاق الدوحة، وكان يمكنأن تضغط على 'حماس' لإجراء الانتخابات في إطار صفقة الإعمار حتى يتم قطع الخطوة الأولىلإنهاء الانقسام. لكن الأمير القطري يستعجل تنفيذ الصفقة الكبرى التي عقدت بين حركة'الإخوان المسلمين' والولايات المتحدة والتي بموجبها يجري تمكين 'الإخوان' من الحكموالاعتراف بهم مقابل الحفاظ على مصالح واشنطن في المنطقة. 

ويبدو أن هذه المصالح المشتركة تقوم على فكرة تفكيكوإعادة تركيب الدول العربية المركزية بما يضمن بقاء وتكريس السيطرة الأميركية على المنطقة،وهذه السياسة بدأت أصلاً في العراق وتستكمل في باقي الدول باستغلال ثورات الشعوب العربيةالتي تحمل مطالب محقة وعادلة تضمن لها الكرامة، يجري تجييرها في ظل حكم الإسلاميينإلى خدمة المصالح الأميركية. فمصر في عهد محمد مرسي يهمها كثيراً الالتزام باتفاقية'كامب ديفيد' وإرسال الرسائل المطمئنة لاسرائيل بل التي تتجاوز أي صيغ رسائل كانت قائمةفي السابق في عهد الرؤساء السابقين وليس أدل على ذلك من رسالة 'المحبة والأمنيات الطيبةبرغد العيش لاسرائيل وشعبها ورئيسها 'التي أرسلها مرسي مع السفير المصري لشمعون بيريس.والوضع في سورية ينذر بتفكيك وتدمير البلاد وتسليمها لحكم جماعات موالية لواشنطن، معالتأكيد على أن الشعب السوري الشقيق له الحق في الحرية والديمقراطية الكاملة وفي تغييرالسلطة استجابة لرغبته ومصالحه. وما يجري في سورية في الواقع هو أبعد ما يكون عن تغييرالنظام، بل هو عبارة عن تلاقي مصالح متضاربة تؤدي إلى تدمير مقدرات سورية بالكامل.وهذا استغلال فاضح لرغبات الشعوب العربية في التغيير والديمقراطية والتقدم. وتحقيقللفوضى التي تحدثت عنها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس وسمتها 'الفوضىالخلاقة' المدمرة. 

وفي نهاية المطاف يجري إضعاف كل الدول العربية المركزيةوإلهاؤها بمشاكل داخلية وحالة من عدم الاستقرار حتى لا يتمكن أحد من التأثير على القرارالعربي في غير صالح السيطرة الأميركية على مقدرات المنطقة. وشاءت الأقدار والسياساتأن تلعب قطر دور الممول والراعي والمقاول من الباطن لتنفيذ هذا المخطط. وبطبيعة الحاللابد للوضع الفلسطيني أن يكون منسجماً مع مصالح اسرائيل، التي تريد بدون شك القضاءعلى فكرة الدولة الوطنية المستقلة، وهذا لا يتم إلا بتكريس الانقسام الذي تسعى له قطربزيارة أميرها لغزة. ولا يلغي ذلك اتصال أمير قطر بالرئيس أبو مازن الذي لم يكن فيوضع يرفض فيه الزيارة، ولكن الفصائل الوطنية بحسها ومعرفتها قاطعت الزيارة لإدراكهاللمخاطر المترتبة عليها. 

الآن يجري تأسيس حلف جديد في المنطقة يتألف من الولاياتالمتحدة وإسرائيل وتركيا وجماعة 'الإخوان المسلمين' ودول عربية أخرى. وليس غريباً أنتجري تركيا محادثات مع إسرائيل في هذه الأيام للتنسيق في كل ما يتعلق بسورية، فمعالمالمخطط القادم باتت شديدة الوضوح والذي يدفع الثمن الشعوب المغلوبة على أمرها والتيأرادت التخلص من الدكتاتورية وسطوة الأنظمة المتوارثة، فوقعت في فخ أكبر وأخطر. 

وفي إطار الادعاء القطري بأن الهدف من الزيارة فقط إعمارغزة والسعي لفك الحصار عنها، هناك سؤال مهم لقادة قطر: هل يضمنون ألا تقوم إسرائيلبتدمير البنية التحتية في قطاع غزة مرة أخرى، ولا يبقى لأهل غزة مرة أخرى سوى الانقساموحكم 'حماس'؟ 

من الواضح أن إسرائيل لا تزال تفكر في عدوان واسع علىغزة وقد تحدث أكثر من مسؤول عن أن اجتياح غزة هو مسألة وقت ليس إلا. بل أن تفكير إسرائيليتعدى غزة إلى حرب شاملة في المنطقة قد تطال لبنان وربما إيران، وهي تستعد لذلك ولعلالمناورة الأكبر في تاريخ إسرائيل مع الولايات المتحدة التي بدأت في 21 من هذا الشهردليل على استعداد لحرب قادمة. فمناورة الدفاع الجوي الكبرى هذه يتدرب فيها جيشا إسرائيلوالولايات المتحدة على حالة تسقط فيها على إسرائيل صواريخ كثيفة من ثلاث جبهات الشمالوالجنوب والشرق، وتبلغ تكلفة المناورة 30 مليون دولار أميركي و30 مليون شيكل إسرائيليبالنظر إلى مساهمة الطرفين.فهل تستطيع قطر أن تمنع حرب قادمة أم أن الحرب ربما تكونضمن الخطة الكبرى التي يجري تنفيذها في المنطقة والتي تلعب قطر العظمى دوراً محورياًفيها؟!