جرت الانتخابات المحلية في مدن وقرى الضفة دون قطاعغزة والقدس لاعتبارات موضوعية يوم الـ 20 من تشرين الأول/ اكتوبر الجاري، رسمياقاطعت حركة حماس الانتخابات، وإن ساهمت بهذا القدر أو ذاك في بعض المدن والمواقع،التي تميزت بالتنافس بين الكتل المختلفة خاصة بين كتلة فتح والكتل المنافسة لدعمالكتل الانتخابية المنافسة لفتح بشكل غير رسمي.

الانتخابات رغم العراقيل المحيطة بها حصلت، ولمتؤجل كما حصل في المرات الثلاث السابقة. وهناك ما يزيد عن الـ 170 مجلسا قروياومحليا فازت بالتزكية نتيجة التوافق بين القوى المؤثرة فيها. غير ان الجزء الاكبرخضع لخيار صندوق الاقتراع، الذي حسم بالمحصلة النتائج، وعكس مجموعة من الدلالاتالحزبية والاجتماعية وبالضرورة السياسية.

وقبل تحديد التداعيات الملازمة للانتخابات، لا يملكالمرء سوى ان يبارك لكل الذين فازوا بالانتخابات في المدن والقرى إن كان بالتزكيةأو بالانتخاب, وتثمين جهد لجنة الانتخابات المركزية، التي رعت عملية انتخابيةنزيهة وشفافة، حيث لم تسجل مخالفات كبيرة فيها.

غير ان الانتخابات كشفت مجموعة ملاحظات لا بد منالانتباه لها، وقراءتها بدقة من قبل القوى السياسية والاجتماعية العاملة في الساحة،لاستخلاص العبر والدروس منها، من ابرز الملاحظات الايجابية والسلبية، التي يمكنتسجيلها، هي:

1- فشل حركة حماس في تعطيل دورة الانتخاباتالمحلية، إن كان بمقاطعتها، أو من خلال منعها في محافظات قطاع غزة.

2- كما اشير آنفا تميزت الانتخابات بالنزاهة، التيميزت الساحة الفلسطينية.

3- الفائز كان المواطن الفلسطيني، رغم انخفاض نسبةالمشاركة قياسا بتجارب الانتخابات السابقة، حيث بلغت نسبة المشاركة 54,8% من مجموعالناخبين.

4- سقوط دور المال الانتخابي كما حدث في رام الله،حيث قامت بعض القوائم باستخدام سلاح المال لاستقطاب المواطنين، لكنها لم تحصد سوىالهزيمة.

ما تقدم يمكن اعتباره البعد الايجابي فيالانتخابات. لكن الانتخابات كشفت عورات عدة، منها:

1- ضعف ثقة المواطنين بفصائل العمل الوطني عموماخاصة اليسار.

2- الادعاء بأن فتح حصدت ما يزيد على 80% فيهقولان، لأن حساب النتائج في ضوء مقاطعة حركة حماس، لا يعتبر صحيحا. والحديث عنالفوز الساحق كشف عن خطيئة الرضا عن الذات، وهو ما يعكس قراءة قاصرة لنتائجالانتخابات.

3- اظهرت الانتخابات سيطرة النزعة العشائرية علىحساب البعد الوطني السياسي والخدماتي.

4- في المواقع التي احتدم فيها التنافس بين كتلةفتح مع الكتل المستقلة عن فتح (مثال نابلس وجنين وبعض المواقع الاخرى) كشف عن ضعفكبير لدور القوائم، التي رشحتها اللجنة المركزية. وكشف عن عقم ادارة اللجنةالمركزية للعملية الانتخابية، لأنها ادخلت الحسابات الشخصية على حساب الحركة، مااعطى نتائج سلبية جدا.

5- كما ان فرز الاصوات داخل الاجهزة الامنية كشف عنضعف دور حركة فتح، الحركة المسيطرة على مقاليد الامور. وهذا دليل جديد، على انالحركة وقياداتها الامنية لم تتعلم من درس الانتخابات التشريعية 2006.

6- على ما احرزته بعض القوائم المستقلة من نتائججيدة نسبيا بالنسبة للفصائل الوطنية، إلا ان دور المستقلين بقي دون المستوىالمطلوب في اولا، عدم تمكنهم من تشكيل قوائم ذات رصيد مؤثر في الشارع في كلالمواقع؛ وثانيا، لجوءهم للمنطق العشائري في مواجهة القوائم الاخرى.

هذه وغيرها من الانعكاسات السلبية، التي رافقت الانتخاباتالمحلية. والتي تحتاج الى دراسة جدية من قبل فصائل العمل الوطني للاستفادة مندروسها.

فضلا عن ذلك، فإن اجراء الانتخابات في هذا الوقتبالذات لم يكن صحيحا، لأن هناك قوى اقليمية ودولية دفعت ودعت وحرضت لاجراءالانتخابات المحلية لاكثر من اعتبار، منها: اولا، تعميق الانقسام داخل الصفالوطني، لا سيما وان حركة حماس اعلنت عن رفضها اجراء الانتخابات، وذلك للتهرب مناستحقاق المصالحة الوطنية، وتحميل حركة فتح المسؤولية عن التفرد باجرائها في الضفةدون القطاع والقدس؛ ثانيا، العمل على تعميق الانقسام داخل حركة فتح نفسها، والسعيلتمزيق الحركة، تمهيدا للمرحلة القادمة؛ ثالثا، التعامل لاحقا مع ممثلي المجالالمحلية والبلدية والقروية، كممثلين لجماهير المدن والبلدات والقرى، واستبدالها عنالسلطة الوطنية وممثليها، وبالتالي استبدالها عن ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية،وادخال ممثلي المجالس المحلية والبلدية في نطاق العملية السياسية، ما قد يعيدالامور لخيار روابط القرى أو اسوأ من ذلك.

وفق ما اعتقد المرء، وعلى اهمية ما حصل، لم تكنالقيادة الرسمية في عجلة من امرها باجراء الانتخابات المحلية. ومع ذلك عليهاالتنبه الآن للاخطار، التي قد تنجم عنها لاحقا، الامر الذي يفرض تعزيزا لدورالرقابة السياسية على المجالس المختلفة لحماية الذات الوطنية من التداعيات الاخطر.

وعلى فصائل منظمة التحرير في ضوء التجربة المرةوهزيمتها النكراء في الانتخابات المحلية، رغم ادعاء بعض القيادات بتحقيق نتائج«ايجابية» التفكير مليا بدورها وسياساتها وآليات عملها، وحتى بقياداتها ومصداقيتهافي اوساط الشعب العربي الفلسطيني، والعمل على احداث تطور غير مسبوق في هياكلهاوابنيتها التنظيمية وبرامجها السياسية وعلاقتها بالمواطن ومصالحه الخاصة والعامة،وعلاقة كل ذلك بقدرتها على الاقتراب اكثر فأكثر من هواجس وآمال وطموحات المواطنينالوطنية والاجتماعية والاقتصادية والصحية والتربوية ? الثقافية.

للانتخابات المحلية دلالات سياسية واجتماعية وحزبيةكبيرة، يا حبذا لو كل قائد ثم كل فصيل والفصائل كلها مجتمعة والمستقلين عمومايفكرون مليا بالنتائج والعبر والدروس لاستخلاصها والاستفادة منها .. لان مرورتجربة الانتخابات دون المراجعة، بحد ذاته يعتبر هزيمة اضافية .