كانت رغبة «حماس» في الاستفرادبتلقي المقدرات المالية، لعملية إعادة الإعمار في غزة، والوقوف عليها؛ هي أحد أهمأسباب رفضها لعملية المصالحة وتطبيق اتفاقاتها. وحسبة «حماس» في ذلك معلومة،تفسرها منظومة التجارة والأعمال الخاصة بـ «الجماعة» التي توسعت في كل قطاعاتالاقتصاد الغزي، ووصلت حتى الى حد خنق أعمال البقالة الصغيرة، بمفاعيل مراكزالتسوق الشامل، التي تمتلكها الحركة. ويعلم ممولو المشروعات التنموية في تاريخالسلطة، ومنهم القطريون والإماراتيون والأوروبيون وغيرهم، بعض شوائب تجربتنا علىهذا الصعيد، عندما كان الفساد يتمثل في شريحة صغيرة مركبّة، قوامها بعض الأفرادالفاسدين، مع بعض شركات تتلطى بالقطاع الخاص، تأسست في عجالة، وكانت موصولةبالأولين. وكتبنا أيامها عن تلك الظاهرة وحذرنا منها. ومن المفارقات، أن شركاتصناعة البناء تلك، التي تشكلت في عُجالة، لم تكن مهيأة لمباشرة هذا العمل، إذ لمتكن تملك المعدات ولا المقومات التي تساعدها على تنفيذ المشروعات. فما كانتتمتلكه، هو القدرة على أخذ المشروعات بشفاعة متنفذين، على أن تبدأ بعدئذٍ إحالةمراحل التنفيذ، لشركات لديها المقومات الفنية، وتأخذ الأعمال عن طريق ما يُسمى«الباطن». ويكون اقتناص المشروع، من المانحين، بسعر عال لمتر البناء منجزاً معالتشطيب، ويُسلم لشركات لكي تنجزه بسعر أقل بكثير، بل إن بعض هذه الشركاتالمجاورة، كانت تفعل الشيء نفسه، فتأخذ أعمال «باطن» أكبر من قدرتها، وتحيلها الىشركات أخرى بأسعار أقل. وبتلك المتوالية الجهنمية، كان المشروع الذي يُحسب علىالشعب الفلسطيني، باعتباره مساعدة تنموية كلفتها مليون دولار مثلاً، لا يتكلف فيالواقع مئة ألف. ومع تضخم مبالغ البذل من قبل المانحين، وتعدد البواطن؛ تتضاءلالتنمية مع ارتفاع الرقم وتدني الجودة. وفي تلك التجربة، كان الفساد قطاعاً فردياًوخاصاً، لكنه في وضع إعادة إعمار غزة، الآن وبهذه الطريقة، يصبح فساد القطاع العامالمملوك لمن يحكمون، هو الذي يقتنص المشروعات ويتدبر سياقاتها، ولا يتخيل واحد منغزة، أن شركة لا تمتلكها «حماس» ستفوز بأي مشروع، وفق مفرداته التي يقررها الحجم الماليللمساعدة القطرية!

بخلاف ذلك، هناك العامل السياسيوالوطني، الذي يحسم مسألة النوايا. فالمساعدة القطرية، تلبي لـ «حماس» مبتغاها وهوأن تحظى بمعونات إعادة الإعمار، التي كانت من بين أسباب نكوصها، عن تنفيذ اتفاقاتالمصالحة. وعندما يتحدد زمن التنفيذ بثلاث سنين، نكون بصدد طرف سيصبح أحرص مايكون، على خلو الميدان له، دون مؤسسات وطنية، ضامنة للشفافية بمشاركة الجميع. أماشكليات زيارة أمير قطر، فإن مضامينها السياسية لا تبشر بوئام قريب، لأنها تكرسوضعاً كيانياً بمعايير هذه السياسة، لحكومة انقلاب على الوحدة الوطنية، وانقلابعلى العملية الديمقراطية، وعلى سياق النضال الوطني المتاح، بذريعة نضال لا يتاحولا يُمارس!

نوايا الطرف القطري، وصدقيةحديث الأمير في «الجامعة الإسلامية» عن انقسام فادح يراه أخطر من العدوان نفسه؛يختبرها الجواب عن بعض الأسئلة: ألم يكن في مقدور الأمير، أن يربط بين الشروع فيتقديم المساعدة، وخطوة عملية واحدة، نحو الوفاق الفلسطيني، حتى وإن اقتصرت علىمجلس وطني لإعادة الإعمار، ومرجعيات قانونية ومحاسبية لهذا الإطار؟! ألم يكن فيمقدور الأمير، أن يضبط إيقاع هذا التوجه، بالحرص على دور للأخ خالد مشعل رئيس المكتبالسياسي لحركة «حماس» ومعه على الأقل مجموعة من التصالحيين الفتحاويين،ومجموعة فنية من «بكدار» ومن مختصين تنتدبهم القوى الوطنية؟ ألم يكن في مقدورالأمير، أن يبدأ خطوة «كسر الحصار» بتوافق مع الحكومة المصرية، على جمع طرفيالخصومة، لوضعهم أمام المسؤولية عن تعثر إعادة الإعمار، وعن ترك غزة تئن، للدفع فيجهة الخروج بصيغة للعمل الإغاثي، ذات حيثيات سياسية، تتصل بعملية الوئام الوطنيالفلسطيني؟ ويمكن لهذه الأسئلة أن تتفرع وتتناسل!

لن نقول إن ذهاب أمير دولة قطرالى غزة، مع تجاوز الموضوع السياسي الفلسطيني الداخلي، يساوي الاعتراف الضمني بأنلا مجال للمصالحة، مع الاكتفاء بتضمين خطابه تقريعاً للفلسطينيين جميعاً علىانقسامهم!

ولن نقول إن أمير دولة قطر،أحيط علماً بوقائع غزة وأزمة «حماس» فيها، فاهتبلتها حكومة «حماس» فرصة للإعلان عنبشرى سعيدة لأهالي غزة، قوامها فتح ثغرة للأمل على مستوى الحياة اليومية، بإنعاشسوق العمل وسد رمق المعوزين، على امتداد زمن التنفيذ المحدد بثلاث سنوات!

ليس منطقياً أن نحكم علىالنوايا بالعواطف، أو بالتجاهل التام للإجابات عن أسئلة كهذه؟ فقد كان الكلامالعاطفي أثناء الزيارة، كبيراً مشبعاً بتوصيفات «تاريخية» مرسلة، وببشائر انكسارتام للحصار (بافتراض ضمني أن مصر لا تزال تحاصر مع إسرائيل) وبحديث عن تحدٍللصهيونية، وعن علامة فارقة في الزمن، وعن عظمة أمير. بل إن «الجزيرة» تناستارشيفها في بداية البث، وكتبت في الشريط، أنها الزيارة الأولى لزعيم عربي منذالعام 67 ثم تعدلت الصياغة لتكون الزيارة الأولى للأمير حصراً، منذ بدء الحصار.فقد أريد للتاريخ أن يبدأ، منذ الحدث الذي وقع أمس ببركة «حماس» وكأن مؤسس حركةالنضال الفلسطيني المعاصر، الشهيد ياسر عرفات، لم يستقبل الأمير في مطار رفحالمدمر الآن، قبل أن يُحاصر وتقاطعه بسبب مقاومته، كل حلقات النظام العربي، حتىأجهز المحتلون عليه!