ليس لك إلا الفانتازيا، لكي ترتقي بمخيلتك الى سويّةالحدث، فتدرك أهميته الضاربة عميقاً في راهن أوقاتنا. فمن غير النجاشي؛ بمقدوره أنيجعل للحبشة، كل ذاك الوزن في التاريخ وفي الجغرافيا؟! ومَن غير هؤلاء الأفذاذ، منأهل الطنين، الذين سينعقد لهم كل هذا الصولجان، فيما هم بلا تاريخ ولا مناقب ولا مآثر،ولا إنجازات سوى كل ذلك الحطام الهائل، من دمار العمران والنفوس والآمال والقضية!

المستقبلون «الربانيون» في غزة، يجاهدون أنفسهم لكييتنسموا في حضرة النجاشي، أخلاق النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه، في تعاطيه مع ملكالحبشة. ولا يكترث هؤلاء، بالتخرّصات ولا بتعيين الفوارق في السياقات والخلائق، بينهموبين الأخيار في صدر الإسلام، إذ لن تكون دعوة «الربانيين» للنجاشي القطري، معادلاًموضوعياً لدعوة النبي للنجاشي الحبشي، فيتبدى خطابهم على هذا النحو: ندعوك الى اتباعمنهجنا والأخذ بناصية المقاومة، بل ندعوك لأن تتبعنا فتؤمن بما نسعى اليه من النهرالى البحر، وأن توالينا على هذا الطريق، وإن جاءك نفرٌ من مجاهدينا، فاحسن وفادتهم،وأقرّهم، واستبدل بهم عسكر الأمريكيين المقيمين، وإننا ندعوك وصحبك وجنودك، الى اللهوالى الزهد والمقاومة بعد الممانعة. أما قواعد الأمريكيين في ديارك، فبعد أن انطلقتمنها طير أبابيل، ترمي العراق وتدمره وتقتل أهله، وتهدد بتدمير آخرين؛ فاقبل نصيحتناواخلعها، والسلام على من اتبع الهدى!

في حضرة النجاشي القطري، تصل تجليات السنين الهنيّة،في غزة، الى ذروتها السمينة، ويكبر «النونو» و»المشير» و«الحية» وآخرون غيرهم. يصطادونالكاميرات، بياقاتهم وربطات عنقهم الحريرية، وذقون خجلى مخففة، لا يعترف بجدارتها ذوواللحى المكثفة. ربما، أثناء الاستقبال، تطفح قاماتهم وأدوارهم، من قمقم القطاع الصغيرالمختطف، الى ساحات العالمين، فيطمسون مناقب وحكايات رموز النضالات المديدة في التاريخ،على طريق العدالة والحرية، ويعترشون الزمن، بصنائعهم الوضّاءة، وزهدهم، وصبرهم علىشظف العيش، وتحملهم لقليل خِرفانهم وزوجاتهم وعقاراتهم وسياراتهم الفارهة، وكل ما بزّوابه سواهم بواسع حكمتهم، وأريحيتهم، وتسامحهم، وبتعففهم عن أموال الناس وأرزاقها ودمائها،وعن جرح مشاعرها وإيذاء قضيتها!

هم أكابر الزمن الأغبر، نجاشيون و«ربانيون» مع كل الاعتذارلملك الحبشة ولأبي ذر الغفاري وعبد الله ابن مسعود وسواهما. الأول كان مقصد المظلومينبارّاً بهم. فعندما اقتضى الأمر أن يهاجر رهط المسلمين الأوائل، في السنة الخامسة للهجرة،حفظاً للذات وللرسالة، نصحهم محمد عليه السلام، بمغادرة مكة الى الحبشة لأن «فيها ملكٌلا يُظلم عنده أحد، وعادل في حكمه كريم في خُلُقه». أما «ربانيو» غزة، فهم كذابون قناصوأموال، ولا بد أنهم قدروا منذ الآن، حجم «الهبرة» التي سيهبرونها هم وخاصتّهم، من أيةمشروعات لإعادة الإعمار!

ملك الحبشة المسيحي، قاوم مساومات الشيطان، وهمساتهله، بأن يغتنمها فرصة فيفتك بنواة القوة المسلمة. أما نجاشيو زمننا، فإنهم يتدبرونمع الشيطان، كيف لا نصبح أقوياء وموحدين، وكيف لا نتمسك بأهدافنا في السياق التاريخيالعام، وكيف نركز على أهداف صغرى في إطارنا وفي سجالاتنا وفي تهاجينا اليومي!

وبخلاف الدعابة، في وسعنا القول، إن صولة النجاشي القطري،تبدّل بعض المواقف والبيادق، على رقعة الشطرنج. تصطدم ممانعتان في غزة، واحدة حبشيةوأخرى أسدية إيرانية حزبية «إلهية» مُدمجة، وتفترقان. إن بالغ «الربانيون» في الحفاوةبالأولى، خسروا نهائياً حفاوة الثانية، على أن يُترك الأمر لرب العالمين العادل، لكييحسم المقادير. ذلك علماً بأن لكل من الأولى والثانية مواويلها ومقاصدها، التي ليستفلسطين من بينها!

بقي القول، إن العلامة الفارقة، لتغلب الممانعة الحبشيةالأصيلة، على الممانعة المدمجة (الإيرانية الأسدية الحزب «إلهية») ستظهر من خلالتهجئة اسم السيدة حرم النجاشي. فإن التزم الإعلام الحمساوي المكتوب، بـ «موزا» حسبالتوجيه الرسمي الأخير لإعلام الحبشة، تكون الأمور قد بلغت ذروتها وأفلح «الربانيون».أما إن ظلت التهجئة على حالها السابق «موزة» فستكون الأمور عسيرة الهضم، وفي مستوىثمرة واحدة، لا في مستوى نهر Moza الهولنديالسخي الفاتن مثلاً. ومن يدقق سيعرف النتيجة. فمن جهة محسوبكم، هي «موزا» حسب ما تريدصاحبتها. فنحن ننشد الود مع كل الممانعات السخية والشحيحة، ولله في خلقه شؤون!