معروف للرأي العام العالمي عمومًا والغربي الرأسمالي والإسرائيلي خصوصًا، أن لعبة الابتزاز بالتحرش الجنسي أو الاختلاس المالي، أو غيرها من الفضائح المرفوضة والمدانة في القوانين الخاصة بالدول، أو في المؤسسات الأممية ضد أي شخصية سياسية من داخل بلدانهم، أو من دول أخرى في حال تجاوزت حدودها، أو السقف المسموح به، من الأسلحة الأساسية في إبعاد تلك الشخصيات عن مراكز القرار في المؤسسة المستهدفين بها.
واستحضر هنا بعض الأمثلة السريعة للتذكير بها، مثلاً استخدم هذا السلاح مع الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، عندما أوقعوه مع مونيكا لوينسكي المتدربة في البيت الأبيض بين عامي 1995 و1996، وظهرت للسطح في 1998، ولكنهم فشلوا في إقالته، عندما اعتذر عن ذلك، لا بل وفاز في الولاية الثانية، ومثال إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الأسبق، الذي أسقطوه بتوجيه تهم بالفساد والرشوة في أيار/مايو 2014، بعدما أبدى الاستعداد للتقدم في حل سياسي، وكان اليمين الإسرائيلي المتطرف اغتال إسحق رابين تشرين ثاني/نوفمبر 1995، بعدما فشلوا في توجيه تهم له، لأنه تقدم باتجاه الحل السياسي، وكان المحرض الأساس بنيامين نتنياهو، الذي اتهم بقضايا فساد أساسية، وما زالت تفتح ضده قضايا فساد حتى الآن، ومع ذلك حافظ على مركزه كرئيس للوزراء، ورفض الاستقالة، وهناك عشرات النماذج والأمثلة على عمليات الإسقاط والابتزاز الرخيص.

ومنذ أيار/مايو الماضي تقدمت محامية تعمل مساعدة للمدعي العام لمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان بشكوى تحرش جنسي من قبله لإسقاطه وإبعاده عن مركزه القضائي، رغم نفيه ارتكاب مثل هذه الجريمة، وربط بينها وبين قراره بإصدار مذكرات اعتقال ضد كل من نتنياهو ووزير حربه لارتكابهم إبادة جماعية ضد الشعب العربي الفلسطيني، مما أثار حملة تحريض واسعة ضد شخصه في إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، واتخذ الكونغرس قرارًا بملاحقة خان وأي من قضاة المحكمة الجنائية وعائلاتهم في حال تصويت المحكمة الإدارية بالموافقة على إصدار تلك المذكرات.
وكتب المدعي العام للجنائية الدولية على منصة إكس، أن مزاعم ارتكابه ما وصفه بالسلوك السيئ غير حقيقي، وأكد أنه "عمل في مواقع متعددة لمدة 30 عامًا ولم يسبق لأحد أن قدم مثل هذه الشكوى ضده". بيد أنه بعد الإعلان عن إصدار مذكرات اعتقال ضد القادة الإسرائيليين وتجاوز كل الخطوط الحمر من وجهة نظر إسرائيل وأميركا. ولهذا شكلت إسرائيل المارقة والخارجة على القانون فريقًا للعمل على عزل المدعي العام، وهذا ما كشفته صحيفة "الغارديان" البريطانية في حزيران/يونيو الماضي، أن دولة إسرائيل اللقيطة شنت حملة سرية ضد "المحكمة الجنائية الدولية" لمنعها من ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين، وأفادت الصحيفة أنها التقت أكثر من 20 ضابط من المخابرات الإسرائيلية، ومسؤولين حكوميين وشخصيات بارزة في المحكمة وديبلوماسيين ومحامين، عن طبيعة الحملة المكثفة لإحباط التحقيقات، ووفق الصحيفة، إن إسرائيل استخدمت وكالات الاستخبارات "للمراقبة والاختراق والضغط وتشويه سمعة كبار موظفي المحكمة الجنائية الدولية ولاحقتهم بالتهديد والوعيد". كما أن عددًا من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي أعلنوا أنهم سيلاحقون كريم خان حتى إقالته أو استقالته من موقعه.

وكانت مصادر عليمة قالت: إن "الهيئة الإدارية للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، تعتزم فتح تحقيق خارجي مع المدعي العام فيها، بتهم التحرش الجنسي في 9 تشرين ثاني/نوفمبر الحالي، ونقلت وكالة رويترز عن مصدرين مطلعين، أنه طلب من خان في وثيقة داخلية تم توزيعها على الدول الأعضاء، أن يجمد نفسه مؤقتًا من منصبه في المحكمة أثناء استمرار التحقيق". وعرضت الوثيقة دون تاريخ ودون توقيعات، وتركوها مفتوحة لحين.
بعيدًا عن كل المعطيات المتداولة خلال الشهور القليلة الماضية، ما الهدف من ذلك، أولاً إرجاء البت بإصدار مذكرات الاعتقال ضد نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، ويوآف غالانت، وزير الحرب السابق؛ ثانيًا إرغام خان على الاستقالة، أو إقالته رغمًا عنه عبر الفبركات والاتهام الموجه له، الذي نفاه كليًا؛ ثالثًا اختيار مدعي عام جديد، لتأجيل إصدار المذكرات، تمهيدًا لإسقاط تلك التهم عن المسؤولين الإسرائيليين؛ رابعًا قطع الطريق على أية محاولة لرفع قضايا ضد أي مسؤول إسرائيلي مدني أو عسكري أمام محكمة الجنائية الدولية؛ خامسًا الملاحقة الإسرائيلية والأميركية ومن يدور في فلكهم من دول الغرب الرأسمالي للأشخاص والحكومات والدول التي تفكر بملاحقة القيادات الإسرائيلية، باعتبارهم فوق القانون، واتهام كل من يتعرض لهم "بمعاداة السامية" الكذبة المفضوحة.