في مواجهة نتنياهو وحكومته المتطرفة، وبالتحديد في أمور داخلية إسرائيلية، وبعض تكتيكات الحرب، فإن صوت المعارضة مرتفع، وبالمقابل لم نسمع أي صوت جدي يتحدث عن مستقبل العلاقة مع الشعب الفلسطيني وغياب تام للحديث عن السلام وحل الدولتين. وقد تبرر المعارضة أنه أثناء الحرب، التي يقول نتنياهو أنها: "حرب وجودية"، لا يمكن الحديث عن السلام، خصوصًا أن غالبية الرأي العام في إسرائيل تريد الاستمرار في الحرب.

ولكن إذا نظرنا للجهة المقابلة نجد أن قيادة الشعب الفلسطيني المعترف بها دوليًا، وبالرغم من حرب الإبادة والضغوط الشعبية حافظت على نهج السلام، وتصرفت بمسؤولية، والآن وبعد القمة العربية الإسلامية التي عقدت في العاصمة السعودية أمس الأول فقد غلبت السلام رغم ممارسات الحكومة الإسرائيلية الإجرامية، وتمسكت القمة بحل الدولتين وبنهج السلام، وقالت: إن "أمن إسرائيل، وأمن واستقرار المنطقة يتطلب وجود دولة فلسطينية، وأن موقف الدول العربية والإسلامية لا تزال متمسكة بالمبادرة العربية، وأن منطق نتنياهو هو القيام بتطبيع يقفز عن حقوق الشعب الفلسطيني وهو أمر غير ممكن، وغير واقعي وثبت فشله".

وانطلاقًا من هذا الواقع هناك حاجة لسماع صوت المعارضة الإسرائيلية، وحتى صوت أوساط داخل حزب الليكود ممن يدركون أن التطبيع والسلام لا يمكن أن يتحققا بدون مبدأ حل الدولتين. ومن الضروري أن تتعامل المعارضة الإسرائيلية وكأن الشعب الفلسطيني مسؤول عما حدث في السابع من أكتوبر تمامًا كما لا يعتقد الشعب الفلسطيني أن كل الإسرائيليين مسؤولون عن ممارسات حكومة نتنياهو وجرائمها، هناك حاجة لتسمع المعارضة الإسرائيلية صوتها الآن، وأن تبدي اهتمامًا بمستقبل العلاقة مع الشعب الفلسطيني المتداخلة معه بالحيز المكاني وتتحمل مسؤولية السياسة العنصرية تجاهه.

ومن دون شك أن هناك أصواتًا داخل إسرائيل لا تزال تتحدث عن حل الدولتين، وهناك كتاب رأي أكثر جرأة في الحديث عن النتائج الكارثية لحرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وإرهاب المستوطنين، وسياسة سموتريتش وبن غفير في الضفة ومخططات الضم، ولكن وبالرغم من أهمية هذه الأصوات، وتقدير الشعب الفلسطيني لها، فإنها ليست مؤثرة، لا في لجم الحكومة اليمينية المتطرفة، ولا في الرأي العام الإسرائيلي.

والأكثر غرابة أننا لا نسمع أصواتًا من أحزاب وقوى طالما كانت تقول إنها مع حل الدولتين والسلام والتعايش بين الشعبين، مثل ميرتس وحزب العمل، وأحزاب المعارضة الأوسع مثل حزب هناك مستقبل "ييش عتيد"، وبدرجة أقل حزب المعسكر الصهيوني بقيادة غانتس.

المشكلة أن هناك أوساطًا في المعارضة الإسرائيلية ليسوا أقل يمينية عن وزراء في حكومة نتنياهو، ويدعو بعضهم إلى ترحيل الشعب الفلسطيني داخل الخط الأخضر، أو جزء كبير منه على الأقل، ولكن حديثنا لا يتناول هذا الجزء من المعارضة، التي لها مشكلة شخصية مع نتنياهو وليس في جوهر سياسته، أننا نتحدث عن المعارضة التي تقول وتعلن أنها مع حل الدولتين. والأغرب أن هذه المعارضة المعتدلة لا تعترض على سياسات الحكومة في الضفة، ولا تتصدى لتصريحات سموتريتش وبن غفير وأقطاب في الحكومة حول فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة أو أجزاء منها، ولا تظهر حزمًا كافيًا لوقف حرب الإبادة في قطاع غزة، بالرغم من أنها تدرك أن هذه الإبادة تجري يوميًا هناك.

صحيح أن هناك حربًا، ولكن بما يتعلق بالشعب الفلسطيني فهو الذي يتم ذبحه بشكل جنوني في قطاع غزة وفي الضفة، ولم يعد هناك من تهديد جدي لإسرائيل، وبالتالي نجد حاجة إلى أن تسمع المعارضة صوتها خصوصًا بعد أن أرسلت القمة العربية الإسلامية رسالة سلام لإسرائيل، وفي الوقت الذي تأتي فيه إدارة أميركية جديدة هي أقرب في تكوينها لليمين الإسرائيلي. إلا أن الأهم بين كل ذلك هو تمسك الشعب الفلسطيني وقيادته بالسلام وبحل الدولتين، ألا يستحق ذلك تجاوبًا من المعارضة الإسرائيلية؟.