تمُر علينا ذكرى ليست كأي ذكرى.. رحيل الختيار ياسر عرفات الفصل الأطول في حياة الشعب الفلسطيني، القائد الشاهد الشهيد القائد الرمز والإنسان.
أرى أن ياسر عرفات ليس اسم لرئيس أو أمير أو ملك إنما اسم لشـخصِ خُلق بهيئة إنسان واستطاع أن يملك قلوب وعقول العالم أجمع القريب والبعيد ملك شعب أحبه وأطاعه واستطاع قيادة الشعب الفلسطيني وقيادته بأفضل الطرق وأقصرها وأسهلها رغم وعورة الطريق رغم الأشواك التي وضعها الاحتلال إلا أنه كان الوحيد الذي يملك اجماعاً لم يحصل عليه أي زعيم على وجه الأرض.
ياسر "أبو عمـار" الذي أسس ورفاق دربه حركة "فتح" التي قادت شعبـنا وثورته حتى إنشاء أول كيان فلسطيني على الأرض الفلسطينية التي تم تحريرها.
ياسر الذي تعلم كل لغات العالم وعرف كيف يخاطبهم، صنع الهوية الوطنية ورسخ الهوية الفلسطينية بعد أن تعامل العالم مع الشعب الفلسطيني على أنه شعب مُهجرٌ يبحث عن خيمة وكرت تموين وحولها إلى قضية شعب صاحب حق في هذه الأرض وصاحب قضية وهوية.
ياسر عرفات صاحب الفكر الثوري والسياسي الخارق الذي استطاع تحويل كل الأنظار تجاه القضية الفلسطينية من خلال عمله العسكري والسياسي معاً فوصلت القضية الفلسطينية إلى كل العالم وأصبحت الثورة الفلسطينية مصدر إلهام لكل الثورات والثوار في العالم.

ياسر عرفات الذي بنى البيت الفلسطيني بحنكته وعظمة حكمته واستطاع أن يجمع كل فصائل العمل الوطني تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية التي انتزعت اعتراف بشرعية تمثيلها لشعبنا من غالبية دول العالم. هذه الفصائل التي كانت دائماً تصرح بأنها يمكنها الاختلاف مع ياسر عرفات ولكنها لم ولن يختلفوا عليه وعلى قيادته.
ياسر عرفات الذي عاد إلى الوطن فاتحاً وأعاد مئات الآلاف من أبناء شعبنا الذين أبعدوا قسراً عن وطنهم وأسس السلطة الوطنية والتي قادها بكل اقتدار طامحاً لتأسيس الدول الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف كما كان متفق عليه مع دولة الكيان وبرعاية أميركية وأوروبية، كان بمثابة الرئيس القائد والأب الإنسان لكل أبناء الشعب الفلسطيني والذي فتح بابه لكل من قصده ولم يرفض أي طلب لأبناء شعبه من علاج ومساعدة وغيرها الكثير الكثير من احتياجات شعبه الذي أحبه، وقد تنصل المُحتل عن وعوده ونقض الاتفاقات، وأعلن ثورة في وجه المُحتل وفجر انتفاضة الأقصى والتي كان يُشرف عليها بنفسه ويوجه قيادتها إلى ضرب الاحتلال كي يرغمه على الإيفاء بالتزاماته وليوصل رسالة له ولكل العالم بأن الشعب الفلسطيني وقيادته لا يمكن أن يتخلى عن ثوابتهم الشرعية وحقهم في العيش في دولة فلسطينية ذات سيادة.
استمرت الانتفاضة وحوصر ياسر عرفات في عرينه وساوموه على الخروج سالماً بنفسه إلى المنفى ليترك شعبه، إلا أنه رفض وقال مقولته الشهيرة: "يريدونني إما أسيراً أو طريداً أو شهيدا". فنال الشهادة بعد أن استطاع من النيل منه ودس السم له كي يزيح هذه الصخرة التي تكسرت عليها كل مُخططات المُحتل ونقل جسده بعد أن تفشى السم فيه إلى فرنسا على غير رغبته وكان آخر كلماته ووصاياه بأن قام بالسؤال عن رواتب الموظفين.

عشرون عاماً مضت وما زال هذا الرمز يعيش في وجدان شعبه وما زال فكره الذي رسّخه راسخاً في أذهان كل أنصاره وحتى خصومه. رحل القائد الإنسان وبقي حيًّا في أذهان شعبه.
رحل في يوم ١١/١١/ ٢٠٠٤ هذا التاريخ الفاصل في تاريخ الشعب الفلسطيني سيبقى خالدًا وستبقى صور تشييعه التي بدأت في فرنسا مروراً بمصر إلى أن وريّ الثرى في عرينه عرين الأسود مقابل القدس العاصمة والتي استشهد لتمسّكه بها على أمل نقله إليها بعد تحررها ليكون المكان الأخير للزعيم الخالد ياسر عرفات لينضم إلى من سبقوه من الشهداء الذين قضوا على نفس الطريق، طريق الحرية والاستقلال.