في سجن الدامون الإسرائيلي أثناء الوضوء لصلاة الفجر أغمي عليها نتيجة ارتفاع نسبة السكر في الدم، تم نقلها إلى عيادة المستشفى، ثم أعلن بعد ذلك عن استشهادها. سقطت صريعة المرض والإهمال المتعمد، لتعلن للعالم مجددا عن بشاعة ودونية وهمجية دولة الاستعمار والإرهاب الإسرائيلية. هذا وكانت المناضلة البطلة سعدية مطر فرج الله حضرت يوم الثلاثاء الماضي الموافق 28 حزيران الماضي على كرسي إلى المحكمة، لأنها لا تقوى على الوقوف أو المشي، نتيجة تفشي المرض بجسدها المتعب والمنهك من الإهمال، وعدم الرعاية الصحية المقبولة، ولا أقول المناسبة لها، التي قضت (الحكمة) مبدئيًا باعتقالها خمسة أعوام، ودفع غرامة مالية تقدر بـ خمسة عشر ألف شيقل، وتعادل حوالي أربعة آلاف وثلاثمائة دولار أميركي.

رحلت أكبر أسيرة حرية عن عمر الـ (68 عامًا) نتاج الإهمال الطبي، والتعذيب الجسدي والنفسي، الذي تعرضت له الشهيدة فرج الله منذ لحظة اعتقالها الأولى  لعملية تنكيل وحشي، وأثناء التحقيق واصلت سلطات السجون الإجرامية سياسة الترهيب، والضرب والعزل في الـ18 من كانون الأول/ ديسمبر 2021، وحتى استشهادها. وكان محامي الأسيرة طالب سلطات السجون الإسرائيلية بتحويل عميدة السن للمستشفى، وتأمين العلاج المناسب لها، بدل سياسة الإهمال المتعمد والمقصود. لا سيما وأن عيادات باستيلات الاستعمار الإسرائيلي لا توفر الحد الأدنى للأسرى المرضى من الجنسين.

ولكن قيادة السجن لم تعر طلب المحامي أي اهتمام، وتعاملت مع مرض الأسيرة فرج الله بلا مبالاة، ووفق سياسة التطنيش، والإيغال في الإهمال المتعمد والمقصود والهادف لزيادة واتساع انتشار الأمراض في صفوف كل أسرى الحرية، وليس شيخة الأسيرات الراحلة ابنة محافظة خليل الرحمن فقط، الأمر الذي أدى لقتل الماجدة الفلسطينية البطلة سعدية، والأم لثمانية أبناء بدم بارد، وبرحيل ابنة إذنا تكون سلطات السجون الإسرائيلية الإجرامية قتلت واغتالت 230 أسيرُا من النساء والرجال منذ عام 1967، فضلاً عن وجود ما يزيد عن 600 أسير مريض، يعانون من أمراض شتى، خاصة الأمراض المزمنة.

ومع ذلك تتعامل سلطات السجون الاستعمارية مع مرضى الحركة الأسيرة بتباطؤ شديد، والاكتفاء بإعطائهم المسكنات، التي لا تسمن ولا تغني من جوع. فضلاً عن شروط الاعتقال اللاإنسانية من حيث الاكتظاظ، أو من نتاج الرطوبة الموجودة في الغرف، والغذاء السيئ، أو العزل الخانق المتلازم مع عمليات التعذيب الجسدي والنفسي. كما حصل مع الأسير الطفل المقدسي أحمد المصري، أو الشيخ الجليل فؤاد الشوبكي أو غيرهم من أسرى الحرية والسلام.

وفي أعقاب قتل الشهيدة سعدية، ولإدراك هيئة الأسرى والمحررين ونادي الأسير وغيرهم من المؤسسات الحقوقية الفلسطينية أن الوفاة ليست طبيعية، طالبت الهيئة بإجراء تشريح لجثة شهيدة الإرهاب الإسرائيلي الدولاني المنظم، كما وطالبت بوجود طبيب فلسطيني مختص في علم التشريح للوقوف على خلفية وأسباب وفاتها. مع أن هناك قناعة راسخة لدى أبناء الشعب عمومًا وجهات الاختصاص خصوصًا، بأن ذات سياسة الموت البطيء الناتجة عن الإهمال والتعذيب وسوء التغذية، وعدم تقديم العلاج المناسب في الوقت والمكان المناسب، الذي يمكن أن يحدث مع الأسير ناصر أبو حميد أو أي من الأسرى المضربين لعشرات الأيام عن الطعام ومنهم العواودة لرفضهم الاعتقال الإداري المرفوض والمدان عالميًا، ويتناقض مع أبسط معايير حقوق الإنسان الأممية.

إن قتل الماجدة الأسيرة سعدية يفتح مجددًا معركة إعادة الاعتبار لأسرى الحرية على الصعد والمستويات المختلفة، ويتطلب من الولايات المتحدة وكل إنسان مؤمن بإنسانيته وكرامته، وكل دولة أو مؤسسة تدافع عن تلك الحقوق، وتنادي بها، أو تتغنى بها، عليها أن تعمل على الآتي، أولاً مطالبة إسرائيل الاستعمارية بالتوقف مرة وإلى الأبد عن التعامل مع الأسرى كـ "إرهابيين ومخربين"، وإنما كأسرى حرب، مدافعين عن الحرية والاستقلال السياسي وتقرير المصير لهم ولشعبهم؛ ثانيًا تأمين الزيارات المنتظمة لهم من ذويهم، والصليب الأحمر؛ ثالثًا التوقف عن سياسة المطاردة لرواتب أسرهم وذويهم، والكف عن الأكاذيب والتلفيقات العنصرية بحقهم؛ خامسًا الإفراج الفوري عن الأسرى المرضى والأطفال والنساء والمعتقلين الإداريين دون وجه حق، وتأمين محاكمات وفق معايير القانون الدولي لأسرى الحرية والسلام والعودة والاستقلال وتقرير المصير.

ورحم الله الشهيدة البطلة سعدية مطر فرج الله من إذنا الخليل، والسلام لروحها ولأرواح كل شهداء أسرى الحرية الـ 230.

المصدر: الحياة الجديدة