في قمة استمرت ست ساعات فقط، استقبلت الجزائر لأول مرة منذ 22 عامًا وزير الخارجية الأميركي  "بلينكن"، الذي التقى  مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره رمطان لعمامرة، وبحث الطرفان عدة ملفات، أبرزها الأمن والاستقرار الإقليميان وكذلك التعاون التجاري وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية وغيرها من المجالات ذات الاهتمام المشترك. وشرح "بلينكن" في كلمته فوائد التطبيع مع "إسرائيل" واصفاً "قمة النقب" بأنها حدث تاريخي من أجل تحقيق التنمية والاستقرار والسلام في المنطقة. وبالرغم  من أن الجزائر من أشد المؤيدين للشعب الفلسطيني وحقوقه الثابتة، وتعارض بشدة التطبيع مع إسرائيل، صرح بلينكن من الجزائر بأن واشنطن تدعم هذا التطبيع  و"تعتزم تشجيع الدول الأخرى على الانضمام إليه" في إشارة واضحة منه لتشجيع انضمام الجزائر إلى اتفاقية "أبراهام" التطبيعية  مع دولة الاحتلال.

في الواقع، لم تلق عبارات "بلينكن" هذه أي صدى واهتمام في كلمات المسؤولين الجزائريين الذين شاركوا في القمة، كما أنها أيضاً لم يتم تداولها عبر وسائل الإعلام الجزائرية. فالجزائر من أشد الدول العربية المعارضة لأي خطوات تطبيعية مع دولة الاحتلال، كما أنها وقفت بحزم لمنع قبول "إسرائيل" كدولة مراقب في منظمة الدول الإفريقية. وتَعتبر الجزائر أن "إسرائيل" ليست فقط كياناً يغتصب حقوق الشعب الفلسطيني، وإنما هي أيضاً تمثل تهديداً صريحاً وقوياً للأمن القومي العربي. في هذا الإطار، لم يستطع "بلينكن" أن يقنع الجزائريين بأهمية التطبيع بين إسرائيل وبين دولة كبرى ونفطية في الإقليم العربي كالجزائر، بل إنه عندما تحدث عن الفوائد الاقتصادية لاتفاقية "أبراهام" لم يذكر أياً من هذه الفوائد، في الوقت الذي يدرك الجزائريون بأن "التطبيع العربي البيني" إن صح لنا التعبير، ستكون له الفوائد الاقتصادية والسياسية والأمنية الأكبر مقارنةً بالتطبيع مع إسرائيل.

من زاوية أخرى، لا تأخذ الجزائر التهويل الأميركي والإسرائيلي بشأن الخطر الإيراني على محمل الجد، وتعتبر الجزائر أن علاقاتها القوية مع روسيا سواء في المجال الاقتصادي أو السياسي أو في مجال الطاقة يعتبر خطاً أحمر لا يجوز نقاشه. وفي الوقت الذي تباكى فيه "بلينكن" على الأزمة الأوكرانية داعياً دول المنطقة إلى الوقوف مع "الضحية والمبادئ" على حد تعبير الأخير، يستشعر الجزائريون بقوة المعايير المزدوجة التي تكيل بها الولايات المتحدة تجاه هذه الأزمة مقارنةً بالقضية الفلسطيني.

من الواضح، أن "بلينكن" لم يكن مقنعاً في الجزائر، ولم يقدم لهم أي شيء، ولذا لم يصفق له الجزائريون، بل إنهم اعتبروا الزيارة تأتي في سياق البرتوكول أكثر من كونها قادرة على إرساء مرحلة جديدة في العلاقات الأميركية الجزائرية تقوم على مبادئ المساواة واحترام سيادة الدول، واحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها، ومقاومة الاستعمار والامبريالية؛ وهي المبادئ الأساسية في سياسة الجزائر الخارجية التي أرسى قواعدها منذ عقود طويلة الرئيس الجزائري الراحل "بومدين".

 

المصدر: الحياة الجديدة