شهر التدبر، ليس التبذير، شهر التفكر، ليس التنكر لفضائله، شهر الهدوء والحلم، خلاف الضجيج والغضب، فرصة المؤمن لقياس قدرته على التحكم بشهواته، وكبح جماحها، شهر تتويج اﻷعمال الصالحة وإعلاء شأنها بالكتمان، والرجاء من الله أن يعمم الخير على الناس، وليس تنزيل مكانتها بإشهارها أو الترويج ﻷسماء أشخاص وجماعات وجمعيات على حساب المتعففين.

شهر رمضان فرصة المؤمن للاطلاع على مؤشر أعماله الصالحة فيما سبق من اﻷيام والشهور، وموقعه في دائرة الحق ومدى بعده أو قربه عن مركزها، وفي رمضان يدرك المؤمن معاني الصبر، ويتحسس آلام وجوع الفقراء ومرارة اﻷيام والشهور عندهم والسنين.

ﻻ خير وﻻ بركة لصائم قاطع رحم، ومتقصد الفرقة بين أفراد العائلة، حتى لو قطع بسكينه كل يوم أشهى أطباق اللحم، وحول مائدته إلى مؤتمر يومي ﻷصحابه ومن يجاملهم لغاية في نفس يعقوب. فبر الوالدين وصلة الرحم وتعميم المحبة بين الناس مجردة من نية التكسب والمصالح الشخصية الضيقة ﻻ تحتاج مناسبة لكنها تتعزز في شهر تكون النفوس في أرقى وأسمى درجات الصفاء، وتكون البصيرة في أحسن قدرة على استطلاع جنة الخير، والخط اﻷحمر الذي يفصلها عن جحيم الشر.

نحن - الصامدين الصابرين الثابتين، المتجذرين في أرضنا المقدسة، والمدافعين والمناضلين من أجل انتزاع حقنا التاريخي والطبيعي المقدس، وحريتنا- نرى في رمضان فرصتنا لتعزيز مقومات وجودنا، وشروط استمرار الحياة على أرض وطننا بأنفاسنا ونفوسنا الحرة الطيبة القوية العزيزة الكريمة، فنلفظ الخصومات الشخصية والعائلية واﻻجتماعية والحزبية، ونتطهر من العدائية، ونمضي في سبيل الإخاء والمحبة والتماسك حتى نصبح كالجسد الواحد، نحسب قدراتنا ومقدراتنا، فلا نسرف، فليست كل أيامنا وأعوامنا طيبة وفيها ما شئنا من الخيرات، فالسنوات العجاف تحوم حولنا، وتنتهز الفرصة ﻻقتحام زماننا، وإذا دققنا حساباتنا في شهر رمضان سنخلص إلى أننا نستطيع تدبير حياتنا في مواجهة خطر حصار منظومة اﻻحتلال الإسرائيلي العنصرية اﻻقتصادي ومحاولة تضييق فسحة عيشنا، فالصيام سيقنعنا بالقليل المفيد، ويبعدنا عن الكثير من غير ذي جدوى، الذي من أرباحه المنظومة ذاتها، فتحول أرباحها التي تجنيها من  وراء تحكم بطوننا بعقولنا، تحولها إلى رصاص توجهه نحو صدور أبنائنا ..فليكن رمضان الشهر الذي نرد بضاعتهم إليهم، لتفسد في مخازنهم، وليعلموا أننا نأكل ما يكفي فقط لنتمكن من الحياة بصحة، وانتهاج الصواب في نضالنا، وأن الصوم يحفز العزيمة ويقوي الشكيمة، وليس كما يظنون باعثا للضعف والكسل والنوم وإغفال المسؤولية، وليعلموا أنهم سيخسرون من  إغراق أسواقنا بمنتجاتهم، فنحن ﻻ نقبل أجبانهم وألبانهم ومنتجاتهم الغذائية إلى بطوننا فيما أبناؤنا اﻷسرى يخوضون نضالهم ﻻنتزاع حريتهم بأمعاء خاوية.

 

المصدر: الحياة الجديدة