بعد أقل من أسبوع ( في العاشر من الشهر الجاري ) ستجري الدورة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسية، ومع تراجع اليسار وتشرذمه، فإن المنافسة تنحصر بين الرئيس ماكرون، الذي يمثل تيارات الوسط، وبين أحزاب اليمين واليمين المتطرف، عبر ثلاثة مرشحين رئيسيين هم، "ماري لوبان" من حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف تاريخيًا، و"ارك زمور" من حزب الاسترداد الأكثر تطرفًا، والذي يبني حملته الانتخابية ضد المهاجرين، وخاصة المسلمين القادمين من شمال أفريقيا، وهناك مرشحة الجمهوريين "فاليري بيركريس" وهي تمثل الجناح الأكثر يمينية في الحزب الذي يصنف أنه يمين معتدل أو تقليدي، وبيركريس تقول إنها تريد أن تسير على خطى الرئيس الفرنسي الاسبق "جاك شيراك".

وكما هو معروف، فإن الانتخابات الرئاسية في فرنسا تجري على مرحلتين، إلا إذا فاز أحد المرشحين بنسبة تزيد عن 50 % من أصوات الناخبين في الدورة الأولى. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن أبرز المنافسين، هما الرئيس الفرنسي الحالي "إيمانويل ماكرون" ومرشحة اليمين المتطرف "ماري لوبان" التي تحاول أن تظهر هذه المرة بأنها أكثر اعتدالاً، بهدف كسب أصوات الجمهوريين واليمين التقليدي. كما تشير الاستطلاعات ذاتها أن الرئيس ماكرون هو الأوفر حظًّا للفوز بهذه الانتخابات لأنه سوف يحصد أصوات اليسار المبعثر، حيث من المؤكد أن يحصل على أصوات حزب الخضر، وأصوات الاشتراكيين حيث يمر حزبهم بأزمة عميقة.

وإذا صدقت التوقعات، فإن ماكرون ولوبان سينتقلان إلى الدورة الثانية ( في 24 من الشهر الجاري ) ويتواجهان للمرة الثانية، فقد تنافس الاثنان في الانتخابات التي جرت عام 2017 وحصلت ماري لوبان على 37 % من الأصوات فقط. أما اليميني المتطرف، والذي لا يخفي عنصريته "إرك زمور" فقد تراجعت حظوظه بعد الحرب الأوكرانية لأنه كان قد أعلن في وقت سابق إعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ويؤمن زمور بنظرية المؤامرة، ويدعي أن" المهاجرين سوف يسيطرون على فرنسا "، لذلك اطلق على حزبه اسم " الاسترداد " بمعنى أنه يريد أن يسترد فرنسا ويخلصها من المهاجرين.

من دون شك أن ماكرون قد استفاد من الحرب في أوكرانيا، حيث برز كأحد المؤثرين دبلوماسيًا في هذه الأزمة، حيث واظب على الاتصال بالرئيس الروسي بوتين بهدف إيجاد مخرج تفاوضي للأزمة، كما استفاد من مؤشرات النمو الاقتصادي الجيدة في فرنسا بعد مرحلة صعبة اقتصادية صعبة في ظل جائحة كورونا. ومن الواضح أن مغامرة أصغر الرؤساء الفرنسيين عمرا ستتواصل، وأن ماكرون سيحكم فرنسا للخمس سنوات القادمة إذا لم تحصل مفاجأة في اللحظات الاخيرة قبل الانتخابات.

ومرة أخرى يظهر ماكرون أنه الرئيس الأنسب للمرحلة الانتقالية التي تمر بها فرنسا على اكثر من صعيد، فهذا البلد الذي يقود مع ألمانيا الاتحاد الأوروبي بحاجة لتأكيد دوره القيادي هذا في أوروبا وعلى صعيد النظام الدولي الذي يمر بدوره في مرحلة انتقالية، ويعيش هزة كبيرة هذه الأيام مع الأزمة الاوكرانية. فرنسا بحاجة لتقوية نفسها اقتصاديًا فهي تتنافس على المرتبة السادسة مع الهند، وهي في المرتبة الثالثة أوروبيا بعد ألمانيا وبريطانيا. من هنا فإن التحديات كبيرة أمام أي رئيس فرنسي جديد، وأن آخر ما يمكن أن يخدم فرنسا في هذه المرحلة هو رئيس من اليمين المتطرف، وخاصة على شاكلة اريك زمور، الذي قد يشعل نارًا داخلية في فرنسا، إذا نفذ ما يقوله في دعايته الانتخابية ضد المهاجرين.

من دون شك أن الحرب في أوكرانيا قد تركت تأثيرها الكبير على الانتخابات الفرنسية، وهي إلى حد كبير عقلنة الناخب الفرنسي الذي رأى في الأزمة الاوكرانية خطرًا على الأمن الأوروبي برمته، ومن هنا تبدو فرص الرئيس ماكرون هي الاوفر.

على أية حال ما يهمنا نحن الفلسطينيين أن تحافظ فرنسا على استقرارها، وتحافظ على سياسة خارجية أكثر توازناً.

المصدر: الحياة الجديدة