الهوس الأميركي في الدفاع عن دولة التطهير العرقي الإسرائيلية أكد للمرة المليون التطابق والتماهي ما بين الولايات المتحدة وإسرائيل في المصالح والأهداف. وكنت قبل أيام قليلة كتبت هنا عن "العلاقات الإسرائيلية الأنجلو ساكسونية"، وخلصت إلى أن المشروع الاستعماري الصهيوني من ألفه إلى يائه من إنتاج وإخراج الغرب الأنجلو ساكسوني، وما يحدث أحيانا من تباين بين صاحب المشروع وأداة التنفيذ، هو بالضبط ذات التباين الذي يحصل ما بين المخرج والمنتج من جهة والممثل من جهة أخرى.
ومجددا يكشف ممثلو إدارة ترامب بشكل فج عن هذه العلاقة العضوية، وآخرها تصريح جيسون غرينبلات، مستشار الرئيس ترامب في الملف الفلسطيني الإسرائيلي، الذي دعا فيه حركة حماس (...!!) إلى "وقف مسيرة العودة مقابل تقديم تسهيلات اقتصادية ولوجستية، أو مواصلة الحصار والقصف". والتصريح حمل أكثر من مغزى ودلالة، منها: أولا الدفاع المستميت عن دولة إسرائيل الاستعمارية، والحؤول دون تعريضها للمساءلة من قبل أي منبر إقليمي أو أممي؛ ثانيا الابتعاد عن جوهر المسألة السياسية، وخلفية مسيرة العودة وفعالياتها المتواصلة، والهادفة إلى التأكيد على الثوابت والحقوق الوطنية الفلسطينية في انسحاب إسرائيل من أراضي دولة فلسطين المحتلة في الخامس من حزيران عام 1967، ومنح الدولة الفلسطينية استقلالها وسيادتها على أراضيها بما فيها القدس العاصمة الأبدية، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على أساس القرار الدولي 194، وليس هدفا آنيا أو تكتيكيا، يتمثل في مجرد تحسين شروط الحصار والاستعمار الإسرائيلي من خلال التخفيف عن الجماهير الفلسطينية؛ ثالثا إلقاء الجزرة لحركة حماس الانقلابية من مستويين، الأول مخاطبة حركة حماس مباشرة، وهو ما يعني القفز عن منظمة التحرير وسلطتها الشرعية، التي تمثل الكل الفلسطيني، وهو ما يعني فتح الأفق أمامها لتكون لاعبا مباشرا في الحل الإقليمي وصفقة القرن، والتلويح لها بإمكانية أن تكون البديل عن منظمة التحرير. مع أن غرينبلات نفسه قبل فترة وجيزة، كان أعلن عن ضرورة إزالة انقلاب حماس من محافظات الجنوب، الأمر الذي يكشف عن سعي أميركا العبث بالمشهد الفلسطيني عبر المناورات المفضوحة بين الشرعية الوطنية وحركة الانقلاب الحمساوية، وعدم وجود ثابت في السياسة الأميركية سوى مصالح دولة إسرائيل الخارجة على القانون؛ ثالثا القبول بالانقلاب الحمساوي كـ"سلطة" أمر واقع في قطاع غزة، ومده بكل مقومات البقاء على الأرض، وبذات القدر تهديد الشرعية الوطنية عموما وشخص الرئيس محمود عباس؛ رابعا أو مواصلة عمليات القصف، مع إمكانية اجتياح محافظات الجنوب، وتهديد ركائز الانقلاب.
ومن راقب تصريحات قادة حركة حماس مؤخرا خاصة صلاح البردويل، عضو المكتب السياسي يوم الجمعة الماضي، يستطيع أن يدرك المسار، الذي تسير عليه حركة الانقلاب، وهو مسار ضرب خيار المصالحة والوحدة الوطنية، الذي يتناقض مع عقيدة جماعة الإخوان المسلمين التاريخية المعادية للوطنية والقومية من حيث المبدأ باسم الدين، وبالتالي الميل الواضح والصريح لأهدافها، وأجندات القوى، التي انتدبتها لتكريس عملية التمزيق والتفتيت لدول وشعوب الأمة العربية، وكما يعلم الجميع كانت حماس رأس الحربة الأميركية في تنفيذ مخطط ما يسمى الشرق الأوسط الجديد بعد سايكس بيكو.
وهذه التصريحات والممارسات المعادية والمتناقضة مع خيار المصالحة الوطنية، فضلا عن إنها جزء من عقيدة وسياسات جماعة الإخوان المسلمين الأساسية، إلا إنها تتناغم صعودا وهبوطا مع التطورات السياسية، وإدارة الظهر الآن للمصالحة يتوافق مع الجزرة الأميركية الممدودة لحركة حماس، لا سيما أن لعاب قادتها مندلق على "ترسيم" و"اعتراف" أميركا بدورها، رغم إنها تدرك ومنذ البداية، أنها وفروع الجماعة ومكتب الإرشاد عملوا، ويعملون منذ البداية كأداة لتنفيذ المخطط التدميري لدول وشعوب الأمة العربية. والنتيجة أن التناغم بين أميركا وحركة حماس، هو تناغم قائم على المصالح، التي يمكن أن تؤتي أُكلها في قادم الأيام، خاصة أن المواطنين باتوا يضيقون ذرعا من انتهاكات حماس لأراضيهم، واستنزافهم بالتبرعات ... إلخ من الممارسات المؤذية والمتعارضة مع مصالح المواطنين. ولكن يمكن إفشال هذا السيناريو بفعل وعي وإدراك الجماهير الشعبية الفلسطينية، التي كفرت بالانقلاب الحمساوي.