لا نظلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقولنا أن قراراته السياسية وتحديدا المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، منبعها شخصية مركبة، انفعالية، تفتقد للتوازن والاستقرار النفسي، وتلك كما نعتقد أهم سمات الشخصية العنصرية.

يثبت ترامب أنه ليس عدوانيا متسلطا وشرسا وحسب، بل خلطة من عقلية اغتصاب وسلب ونكران حقوق الآخرين، وهذه بالذات سمات الشخصية الصهيونية، فكيف إذا امتزجت بخرافات متعصبة متطرفة توصف ظلما بالدينية؟؟

كرس ترامب منذ توليه سدة الحكم قبل حوالي العام وتعامله مع القضية الفلسطينية، والعملية السياسية، والمجتمع الدولي، وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وحتى في القضايا الداخلية للولايات المتحدة الأميركية، سلوك الهيمنة والاستعلاء، واعتنق العهر السياسي، وأداه بطقوس لا يشبهها في عالم الحكام والملوك إلا الذين قادوا ممالكهم ودولهم وإمبراطورياتهم ثم أسقطوها وافقدوها مرتكزاتها الحضارية.

رد ترامب بأسرع مما توقع السياسيون في هذا العالم على مبادرة وخطة الرئيس محمود عباس للسلام وإنهاء الصراع، حينما قرر الخروج عن بعض حياء تميزت به سياسة الولايات المتحدة الأميركية منذ ولادة الكيان الصهيوني الاستعماري الاستيطاني (إسرائيل)، والإعلان عن تبني هذا المولود الذي أتى للعالم من علاقة لا شرعية) يمكننا تسميتها بالزنا السياسي بين قوى استعمارية على رأسها بريطانيا العظمى والصهيونية.

قرار رئيس الإدارة الأميركية أتى بعد تأكده من عجز النظام الرسمي العربي، ونفاق النظام الاسلاموي السياسي المسمى (الدول الإسلامية) وازدواجية معايير دول فاعلة ومؤثرة ولها مصالح مهمة في بلادنا العربية، لطالما ادعت قدرتها على ضمان الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

قرار ترامب بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس احتفالا بافتتاح القاعدة الاستعمارية الأقوى في الشرق الوسط والمسماة (دولة إسرائيل) قبل سبعين عاما، أي لمناسبة مرور سبعين عاما على جريمة الدول الاستعمارية التاريخية بحق الشعب الفلسطيني ونكبته وتهجيره وتشريده مليوني إنسان من موطنهم فلسطين في العام 1948، يؤكد بالدليل القاطع أن سيد البيت الأبيض قرر وضع سلاح وقدرات ومقدرات الولايات المتحدة الأميركية في جبهة الحرب ضدنا، واتخذنا نحن الشعب الفلسطيني كأعداء، رغم اعتبارنا السلام خيارا استراتيجيا، ووقوفنا مع الرئيس أبو مازن ومبادرته وخطته للسلام التي طرحها في مجلس الأمن في العشرين من هذا الشهر.

قرار ترامب يثبت بالدليل القاطع أن حملة جديدة للصهيونية العالمية التي تتخذ من البيت الأبيض مقرا لقيادتها، تستهدف الشعب الفلسطيني، وحركة تحرره الوطنية، واستكمال المخطط الاستعماري الاحلالي، ومنعنا نحن الشعب الفلسطيني من تجسيد مشروعنا الوطني وانجاز استقلالنا بدولة مستقلة على جزء من أرض وطننا فلسطين بعاصمتها الأبدية القدس، حيث لا نقاش ولا جدال في أنها حقنا التاريخي والطبيعي.

يسعى ترامب للهيمنة على العالم وفرض قرارات وقوانين الولايات المتحدة الأميركية وتفريغ قرارات وقوانين ومواثيق الأمم المتحدة ومنظومة العالم الحافظة للسلام والاستقرار، ونعتقد انه معني ببقاء الأمم المتحدة ومجلس الأمن كصورة للاستخدام عند اللزوم.. وهو بذلك ينسجم مع منهج دولة الاحتلال، القائم على صياغة قوانين عنصرية مخالفة لقوانين ومواثيق الأمم المتحدة، ورفض التعامل مع هذه المنظومة العالمية، ليس هذا وحسب، بل تذهب إلى حد تحقيرها والاستهتار بمواثيقها وقوانينها، وإضعافها حتى لا تقوى على تنفيذ قراراتها إلا بما يعود بالفائدة عليها وعلى سيدها الاستعماري في البيت الأبيض.

لقد نجح الصهاينة الناطقون بلغات عدة في هذا العالم في حربهم على العمق الاستراتيجي لفلسطين، ودمروا مستندات التاريخ الحضاري للمشرق العربي، ودفعوا الشعوب العربية الحضارية للبحث في متاهات الكون عن مستقبلها، واليوم يتجهون نحونا بكل ثقلهم.

بقي أن نُذَكِّر ترامب إننا قلب العالم، وان أي ضربة تمس قدسنا، تمس حياتنا، وحياة العالم، ومستقبلنا ومستقبله، وواشنطن أول الخاسرين.. وسنبقى ننبض وننشد السلام حتى يتحرر البيت الأبيض من عقلية الحرب والاستكبار وعقلية الاستعمار، وقد يكتب في سجلات التاريخ: أن صمود الفلسطينيين الأسطوري قد أيقظ العالم، وساعده على استعادة وعيه الإنساني.