في إطار سياسة التغول والبلطجة الأميركية على دول العالم من حلفاء وخصوم وأعداء واتباع خلال المئة يوم الأولى من إدارة الرئيس دونالد ترمب، فجر أول أمس 26 نيسان/إبريل الحالي قنبلة من العيار الثقيل ضد كل من مصر العربية وبنما الأميركية اللاتينية، عندما كتب على منصته الخاصة "تروث سوشال": "يجب السماح للسفن الأميركية العسكرية والتجارية على حدٍّ سواء بالمرور مجانًا عبر قناتي بنما والسويس، هاتان القناتان ما كانتا لتوجدا لولا الولايات المتحدة الأميركية". ليس هذا فحسب، بل طلب من وزير خارجيته ماركو روبيو متابعة هذا الأمر بشكلٍ فوري. وهو من أعلى أشكال القرصنة في العصر الحديث على الدولتين والشعبين والقانون الدولي ذات الصلة، أضف إلى أن الرئيس الـ47 من الواضح لم يقرأ التاريخ على الأقل بشأن فكرة وحفر وتأميم قناة السويس المصرية العربية، وقام بتلفيق وتزوير التاريخ بالعنجهية والبلطجة، أو على طريقة "راعي البقر الأميركي"، وهو ما ينطبق عليه المثل الشعبي العربي "عنزة ولو طارت".

كما أن تاريخ البدء بتدشين عملية حفر القناة المصرية بدأ من فرمان الامتياز الأول، وما تلاه من فرمانات مرورًا بضربة الفأس الأولى في أعمال الحفر وصولاً إلى الانتهاء من ذلك، أي من 18 آب/أغسطس 1859 إلى أن تم افتتاحها في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 1869، أي أن الولايات المتحدة الأميركية كانت في بداية تلمس استقلالها، وخروجها من وحول الحرب الأهلية، ولم تكن أميركا الشمالية وقفت على أقدامها بعد، ومشاريعها التوسعية لم تكتب حينئذ.
ولمزيدٍ من المعلومات التاريخية، تقول كتب التاريخ، أن أول من فكر في ربط البحرين الأبيض المتوسط والأحمر عبر قناة عن طريق نهر النيل وفروعه، هو الفرعون سنوسرت الثالث، من الأسرة الثانية عشر، بهدف توطيد التجارة وتيسير طرق المواصلات بين الشرق والغرب، حيث كانت السفن القادمة من البحر الأبيض المتوسط تسير في النيل حتى الزقازيق ومنها إلى البحر الأحمر عبر البحيرات المرة، التي كانت متصلة به في ذلك الوقت، وما زالت آثار هذه القناة موجودة حتى اليوم في جنيفة بالقرب من السويس. بالتالي فكرة القناة وحفرها، فكرة سابقة على وجود الولايات المتحدة، واكتشاف كريستوفر كولمبس لها، وقبل الثورة الصناعية في أوروبا ونشوء الدولة القومية (التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية البرجوازية).

كما أن من دفع الدم والعرق والمال وصنع المعجزة، هم العمال والمسحوقين المصريين، الذين قدموا عشرات الآلاف ضحايا ثمنًا لحفر قناة السويس العظيمة، والممر المائي الاستراتيجي، إلا أن الرئيس الأميركي مفتعل المشاكل، والإدارات الأميركية السابقة عملوا جميعًا كل مع دولتهم اللقيطة إسرائيل على خنق القناة ودورها ومكانتها الاستراتيجية من خلال حفر قناة "بن غوريون" الرابطة بين البحرين المتوسط والأحمر، التي لم ترَ النور، ولن تراها بفضل صمود أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ورفضهم التهجير القسري أو "الطوعي"، وأفشلوا حتى الآن محاصرة وتطويق جمهورية مصر العربية، وضرب أحد أهم مشاريعها الاستراتيجية، قناة السويس.
ومن المؤكد أن القيادة والقوى والنخب السياسية والاقتصادية والشعب المصري لن تقبل بهذا الابتزاز الرخيص، وترفض من حيث المبدأ امتهان كرامتها واستقلالها، وتطاولها على ثرواتها ومقدراتها ومفاتيح اقتصادها الوطني، حتى لو كانت غارقة بالديون. مصر العراقة والتاريخ والحضارة، ودولة المركز الأول في الوطن العربي، وأحد ركائز الإقليم، لن تسمح أن تكون حديقة خلفية لإدارة ترمب، ولا لكائن من كان، ولن تكون يومًا جمهورية موز.

من المؤكد أن القيادة المصرية ستلجأ إلى الحكمة السياسية والديبلوماسية في إدارة الأزمة مع ساكن البيت الأبيض، وستعمل بعيدًا عن سياسة الانفعال والشعارات الغوغائية على تنفيس مشروع البلطجة الأميركي، وستدافع عن حقها وسيادتها وفقًا لقواعد القوانين الدولية ذات الصلة وقوانينها وقرارات هيئاتها القيادية التاريخية، بعد تأميم القناة عام 1956 أصدر رئيس الجمهورية آنذاك، جمال عبد الناصر قرارًا في سنة 1957 تحت الرقم 30، حدد فيه رسوم عبور السفن لقناة السويس، الذي لا يجوز لأي هيئة قيادية مصرية تجاوزه، أو القفز عنه، طبعًا يمكنها تعديله، ولكن حق مصر التي دفعت الثمن غاليًا جدًا لإنجازه، لن تفرط به، وستحصل على رسوم العبور من قناتها من أية سفينة عسكرية أم تجارية تمر من القناة. وعلى الرئيس ترمب أن يكف عن العبث بحقوق ومكانة الدول والشعوب إذا كان معنيًا بحماية مصالح بلاده الاستراتيجية في الوطن العربي والإقليم، وأيضًا في أميركا اللاتينية. لأن بنما وشعبها وحكومتها لن تقبل الرضوخ مجددًا للهيمنة الأميركية.