من الممكن لأي زعيم سياسي أن يحصد نسبة عالية من الأصوات في الانتخابات الرئاسية في مرحلة بعينها، أو في غيرها من المهام المركزية في هذا البلد، أو ذاك، لكن ليس شرطًا أن يبقى المزاج الشعبي مؤيدًا بنفس النسبة بعد تولي القائد المحدد مهامه، وقد يتراجع لأدنى نسبة من الدعم والتأييد الشعبي، نتاج سياساته التي انتهجها خلال فترة وجيزة. لأنه الزعيم "س" يعتقد أنه مفوض من الشعب في اعتماد السياسة التي يريد، ويتجاهل أن التأييد من عدمه يعود لأسباب عدة، منها أولاً برنامجه الانتخابي ومدى التزامه به؛ ثانيًا الكاريزما القيادية؛ ثالثًا ضعف أو قوة المنافسين، أو المنافس له؛ رابعًا انتهاج سياسة الرشوة وشراء الذمم حتى لو بالوعود الفارغة والكاذبة؛ خامسًا انعكاس سياساته على مستوى دخل الفرد والمسألة الاقتصادية عمومًا؛ سادسًا كيفية معالجته للملفات في السياسة الخارجية، ومدى اثرها على السلم المجتمعي، والسلم والامن الإقليمي والدولي.
إذاً لا ثابت في نسبة التأييد من عدمه في العلاقة التبادلية بين الشعب والزعيم، فهي متحركة كالبارومتر بين الصعود والهبوط ارتباطًا بإدارة الحكم، وأثر العوامل المذكورة آنفًا على جيوب المواطنين. وهذا ما يشير له استطلاع أميركي للرأي أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" بالشراكة مع معهد "سينيا كوليدج" للأبحاث حول شعبية وسياسات الرئيس دونالد ترمب، واجري الاستطلاع بين 21 و24 نيسان/إبريل الحالي، أي مع اقتراب مئة يوم من توليه الرئاسة، ونشر أمس في وسائل الاعلام، وشمل أكثر من 900 أميركي من مختلف الولايات المتحدة الأميركية.

وأبرز ما حمله الاستطلاع من نتائج، أن 66% من المشاركين في الاستطلاع، وصفوا ولاية ترمب الثانية بأنها "فوضوية، في حين ذهب 59% منهم على اعتبارها ب"المخيفة"، أي فقدان الأمن والأمان، والخشية من انفلات الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعرقية. وأما بشأن التأييد لأداء الرئيس الـ47، أعرب 42% عن تأييدهم له، فيما عارضه 54%، وامتنع الآخرون عن الإجابة. ويتزامن ذلك مع انتهاج ساكن البيت الأبيض أجندة اقتصادية حادة، تسببت في اضطرابات حادة للأسواق المالية خلال الشهور الثلاثة الماضية، نجم عنها حالة من اللايقين بشأن الآفاق الاقتصادية والمعيشية، وأثارت العديد من التساؤلات عما تحمله الفترة المقبلة. وتراجع شعبية ترمب يعود للأداء السلبي في المجال الاقتصادي، الذي أعتبر أحد نقاط تفوقه في المنافسة الانتخابية.
ومن التدقيق في نتائج العديد من استطلاعات الرأي الأميركية عشية انتهاء المئة الأولى من حكمه، والتي ستكون يوم الأربعاء الموافق 30 نيسان/إبريل الحالي، تبين للمراقبين والمواطنين الأميركيين، أنها أيامًا مليئة بالأحداث والمواقف، التي اتسمت بالحدية والعدوانية في كثير من الأحيان، إلى جانب ظهور فضائح واتهامات وتسريبات متعلقة بالعديد من المسؤولين في إدارته، مما انعكس سلبيًا على شعبية الرئيس الجمهوري. 

ومن بين الاستطلاعات التي جرت في الآونة الأخيرة، استطلاع رويترز/ايسوس، الذي جرى يوم الاثنين الماضي (21/4/2025)، وأظهر تراجع الثقة في تعامل ترمب مع الملف الاقتصادي. وأعرب ثلثا المشاركين عن قلقهم بشأن سوق الأسهم، حيث انخفضت أسعار الأسهم بشكل حاد في الأسابيع الأخيرة، وسط مخاوف المستثمرين بشأن خطط صاحب الشعر الأشقر لرفع الرسوم الجمركية على السلع المستوردة وتلميحه إلى أنه قد يقيل رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي، جيروم بأول.  وكان استطلاع رأي آخر لوكالة "اسوسيتدت برس" للأنباء ومركز نورك لأبحاث الشؤون العامة خلال الفترة من 17 إلى 21 إبريل الحالي، أظهر أن نسبة كبيرة من المشاركين في الاستطلاع تخشى أن تتجه البلاد نحو الركود، وأن التعريفات الجمركية الواسعة النطاق التي يفرضها الرئيس بشكل عشوائي سوف تتسبب في ارتفاع الأسعار.
وفي استطلاع لمركز "بيو" الأميركي للأبحاث، وافق 40% من الأميركيين على طريقة تعامله مع منصبه، وهو انخفاض بنسبة سبع نقاط مئوية عن شباط/فبراير الماضي. ويرفض 59% من الأميركيين المشاركين في الاستطلاع الذي جرى خلال الفترة 7 و13 إبريل، زيادة الرسوم الجمركية التي فرضتها الإدارة الأميركية، وأيدها 39% فقط. كما يرفض 55% من المشاركين تخفيضات الوظائف التي تنفذها الإدارة الجمهورية على الوزارات والوكالات الفيدرالية، بينما يوافق عليها 44%. ووفقاً لأحدث استطلاع اقتصادي في كل انحاء الولايات المتحدة، أجرته شبكة CNBC، فإن نسبة التفاؤل التي رافقت إعادة انتخاب ترمب قد اختفت، حيث يعتقد المزيد من الأميركيين الآن، إن الاقتصاد سيزداد سوءًا أكثر من أي وقت مضى منذ عام 2023 مع تحول حاد نحو التشاؤم بشأن سوق الأسهم.

من خلال مجمل استطلاعات الرأي نلحظ التراجع الكبير في نسبة ثقة الشارع الأميركي بالرئيس الجمهوري، ليس هذا فحسب، إنما هناك شعور بالقلق والتوتر والخشية من المستقبل، وعدم يقين عما ستؤول اليه الأمور في إدارة الرئيس الـ47، ولاحظنا أن استطلاعات الرأي ركزت على الجانب الاقتصادي، ولم تتناول الجوانب الأخرى، التي لا تقل أهمية عنه مثلاً ملف الهجرة غير الشرعية، وملف العنصرية، والملف الصحي، وتكميم أفواه الأميركيين الرافضين سياسة الإدارة في إلغاء الدعم عن الجامعات بذرائع مختلفة، وطرد الطلاب الأجانب الداعمين للشعب العربي الفلسطيني، والرافضين لسياسات ترمب وقبله بايدن الداعمتين والمشاركتين في الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، وكذلك تخفيض أعداد المدرسين في وزارة التربية والتعليم، وفي مؤسسة أ بي أي والجيش وغيرها الكثير من الملفات.
من المؤكد أن السياسات التي ينتهجها ساكن البيت الأبيض تعكس حالة من التخبط والارباك والعشوائية، ويعتمد فيها ترمب الشو الإعلامي بعيدًا عن مصالح الشعب الأميركي، مما يهدد مستقبل ومكانة الولايات المتحدة الأميركية، وسيحمل الموازنة الفيدرالية أعباء إضافية من خلال مطالبته مجلس الاحتياط الفيدرالي بزيادة المديونية الأميركية إلى 42 تريليون دولار أميركي، أي بزيادة 6 تريليون عما هو عليه حاليًا حجم الدين الداخلي والخارجي على الخزينة الأميركية. وقادم الأيام كفيل بالكشف عن بؤس السياسات الترامبيه من خلال كشف المزيد من الفضائح والمصائب التي تحملها الإدارة للشعب الأميركي.