بقلم: جهاد حرب
اجتاحت الهستيريا الاستعمارية حكومة بنيامين نتنياهو الاستيطانية مع بدء المفاوضات الفلسطينية قبل اربعة أشهر، حيث زادت عملية الاستيطان في مدينة القدس والضفة الغربية بشكل كبير وصلت الى الاعلان عن بناء 32 ألف وحدة استيطانية غالبيتها في مدينة القدس.
تأتي هذه الحملة بشكل متزامن مع دفعات الافراج عن قدامى الاسرى الفلسطينيين الذين قبعوا في المعتقلات الاسرائيلية أكثر من عشرين عاما. ويعتقد البعض أن هذه العملية هي في اطار الرشوة لأعضاء حكومته من المتطرفين من المستوطنين مقابل تمرير الافراج عن الاسرى للابقاء على الائتلاف الحكومي الحاكم، الا أن التفسير الأكثر صوابية يتعلق بالحفاظ على مكانة بنيامين نتنياهو واستمراره في الحكم من ناحية، وومحاولة شرعنة الاستيطان واستمراره في ظل اي عملية مفاوضات مستقبلية من ناحية ثانية، وضع العراقيل أمام أي اتفاق مستقبلي مع الفلسطينيين تأخذ بعين الاعتبار ليس فقط التغيرات على الحدود بل ايضا على التغييرات الديمغرافية الجارية في الاراضي الفلسطيني المحتلة عام 1967 من ناحية ثالثة، والنقطة الأخيرة باعتقادي ما تسعى له الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة في مدينة القدس لكن هذه الحكومة تسعى لمد هذه المعادلة للضفة الغربية أيضا.
فيما تسعى الحكومة الاسرائيلية وأجهزتها الاحتلالية الى اضعاف السلطة الوطنية من خلال اظهار عدم قدرتها على وقف عملية الاستيطان وعمليات الاقتحامات المتكررة وقتل الفلسطينيين والتضييق عليهم، وذلك بهدف التقليل من مصداقية القيادة الفلسطينية أمام الشعب الفلسطيني، وتغييب أي جهة مركزية وقوية في عملية المفاوضات، وكذلك اضعافها أمام المجتمع الدولي لعدم قدرتها على فرض الامن اثر نشوب أية مواجهات مع سلطات الاحتلال في الاراضي المحتلة في محاولة جديدة لفرض وضع الفلسطينيين في تجربة اثبات الجدارة للحصول على "شهادة حسن سير وسلوك امريكية" مؤهلة للدولة.
في هذا السياق المطلوب فلسطينيا تغيير قواعد التعامل الفلسطيني في "عملية السلام" استثمارا للانجاز السياسي المتمثل برفع مكانة فلسطين في الامم المتحدة الى دولة مراقبة وما يترتب عليها من تغيير في مكانة الاراضي الفلسطينية وتحول في "ادوات" الصراع الفلسطيني الاسرائيلي من ناحية ثانية.
المسارات المتوازية تتطلب من القيادة الفلسطينية وفصائل العمل الوطني والناشطين وأدوات الفعل الوطني الاتفاق على تكامل الاداء وعدم المناكفة وتعزيز الشراكة، واعادة طرح قواعد غُيّبت بفعل قواعد عملية السلام طوال الفترة الماضية، والنظر في مسألة تبني وسائل وطرق تتناسب مع قوة الدفع للشعب الفلسطيني للوصول للسلام المنشود.
ترتكز قواعد العملية الجديدة "المسارات المتوازية" من خلال؛ أولا: تطوير استخدام أدوات هيئة الأمم المتحدة ووسائلها بدءا من التوقيع على الاتفاقيات الدولية وفق خطة وطنية متدرجة قد تصل في نهايتها الى التوقيع على اتفاقية روما المنشأة للمحكمة الجنائية الدولية، وكذلك الامر تقديم طلبات العضوية في وكالات هيئة الأمم المتحدة.
وثانيا:الاستمرار في طرح قضايا الاستيطان وآثاره واعتداءات المستوطنين على الاماكن المقدسة والمواطنين، والاسرى، وسرقة الثروات الطبيعية وغيرها من القضايا والمسائل في المؤسسات الدولية كمجلس الأمن والجمعية العامة للامم المتحدة ومجلس حقوق الانسان واليونسكو. وعدم نسيان متابعة فتوى لاهاي بخصوص الجدار، ومواصلة إنشاء لجان تحقيق دولية "تحت رعاية الأمم المتحدة" في القضايا المذكور اعلاه.
وثالثا: تفعيل وتكثيف المقاومة الشعبية في الضفة الغربية ومدينة القدس للتصدي لسياسات سلطات الاحتلال الاسرائيلي وممارساته وقطعان المستوطنين بهدف تعظيم التضامن الدولي. وتشكل المقاطعة الاقتصادية وعلى رأسها البضائع الاسرائيلية أحد أهم الأدوات في المقاومة الشعبية يوازيها ويعمقها إبداعات الشباب لإشكال نضالية سلمية تزيد المشاركة الشعبية وتعمق ازمة سلطات الاحتلال.
ورابعا: دعم الملاحقة القانونية لأعضاء الحكومة الاسرائيلية وقادة جيش الاحتلال أمام المحاكم المحلية للدول التي يتيح نظامها القانوني ذلك سواء من خلال مبادرات المنظمات الأهلية والحقوقية او دعم مبادرات الافراد المتضررين.
وخامسا: تفعيل الدبلوماسية الشعبية سواء من خلال السفارات الفلسطينية أو الاحزاب والفصائل الفلسطينية لتطوير أشكال الدعم الشعبي على المستويات المختلفة العربية والإسلامية والدولية وزيادة عدد المتضامنين الأجانب في اشكال المقاومة الشعبية من ناحية والتأثير على قرارات البرلمانات والحكومات وسياستها اتجاه القضية الفلسطينية في بلدانهم وعزل الحكومة الاسرائيلية في المحافل الدولية وصولا الى فرض عقوبات دولية لإجبارها على احترام القانون الدولي وتطبيق قرارات الامم المتحدة وإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية.
سادسا: تفعيل المقاطعة الدولية لدولة اسرائيل وحكومتها بوصفها دولة احتلال تمارس التمييز العنصري "الابرتهايد" بحق الفلسطينيين سواء في الضفة الغربية أو في اسرائيل من خلال دعمها المستوطنين في الاستيلاء على الاراضي الفلسطينية وهدم القرى والبيوت الفلسطينية سواء بقانون برافر في النقب أو بأوامر عسكرية في الضفة. تمثّل المقاطعة الدولية سلاحاً فعالاً، كما حدث في ايران وقبل ذلك جنوب افريقيا، يمكن استخدامه في النضال التحرري في مواجهة غطرسة الاحتلال، لكن ينبغي القيام بها بحكمة واقتدار وإصرار لاستكمال حلقة النضال الشعبي. والنافذة هنا ممكنة بعد قرار الاتحاد الاوروبي وإصراره على منع حصول أي مؤسسة موجودة في المستوطنات الاسرائيلية على أي دعم تقدمه دول الاتحاد الاوروبي أو ان تتمتع مؤسسات اسرائيلية بدعم قد يصل الى المستوطنات في الاتفاقية الاخيرة معها. فهل يمكن التقاطه وتحويله الى نهج نضال أو بالاحرى نهج حياة من اجل التحرر.
يقال إن "أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم" وللخروج من عنق الزجاجة يتطلب اتباع مسارات متوازية بتكاملية لفرض امر واقع على الارض بالمقاومة الشعبية من ناحية وسياسية من ناحية ثانية للانعتاق من الشروط المرجعية المجحفة "TOR " لعملية السلام على الطريقة الامريكية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها